وقوله : (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ) كيف خبر ل «كان» ، والاستفهام معلّق للنّظر.
قال ابن عطيّة : «قال الزجاج : «كيف» في موضع نصب على خبر «كان» ، ولا يجوز أن يعمل فيها «انظر» ؛ لأنّ ما قبل الاستفهام لا يعمل فيه ، هذا قانون النحويّين ؛ لأنّهم عاملوا «كيف» في كلّ مكان معاملة الاستفهام المحض ، في قولك «كيف زيد» ، ول «كيف» تصرفات أخرى ؛ فتحلّ محلّ المصدر الذي هو «كيفيّة» ، وتخلع معنى الاستفهام ، ويحتمل هذا الموضع أن يكون منها. ومن تصرّفاتها قولهم : «كن كيف شئت» ، وانظر قول البخاريّ : «يف كان بدء الوحي ؛ فإنه لم يستفهم». انتهى.
فقول الزجاج : لا يجوز أن تعمل «انظر» في «كيف» ، يعنى : لا تتسلّط عليها ، ولكن هو متسلّط على الجملة المنسحب عليها حكم الاستفهام ، وهكذا سبيل كلّ تعليق.
قال أبو حيّان : «وقول ابن عطيّة (١) : هذا قانون النّحويين ... إلى آخره ، ليس كما ذكر ، بل ل «كيف» معنيان :
أحدهما : الاستفهام المحض ، وهو سؤال عن الهيئة ، إلّا أن يعلّق عنها العامل ، فمعناها معنى الأسماء التي يستفهم بها إذا علّق عنها العامل.
والثاني : الشرط ؛ كقول العرب : «كيف تكون أكون» ، وقوله : ول «كيف» تصرفات إلى آخرة ليس «كيف» تحلّ محلّ المصدر ، ولا لفظ «كيفية» هو مصدر ؛ إنّما ذلك نسبة إلى «كيف» ، وقوله : «ويحتمل أن يكون هذا الموضع منها ، ومن تصرّفاتها قولهم : كن كيف شئت» لا يحتمل أن يكون منها ؛ لأنّه لم يثبت لها المعنى الذي ذكر ، من كون «كيف» بمعنى : «كيفية» ، وادّعاء مصدرية «كيفية».
وأمّا «كن كيف شئت» : ف «كيف» ليست بمعنى : «كيفية» ؛ وإنّما هي شرطيّة ، وهو المعنى الثاني الذي لها ، وجوابها محذوف ، التقدير : كيف شئت فكن ؛ كما تقول : «قم متى شئت» ، ف «متى» اسم شرط ظرف لا يعمل فيه «قم» ، والجواب محذوف ، تقديره : متى شئت فقم ، وحذف الجواب ؛ لدلالة ما قبله عليه ؛ كقولهم : «اضرب زيدا إن أساء إليك» ، التقدير : إن أساء إليك فاضربه ، وحذف «فاضربه» لدلالة «اضرب» المتقدّم عليه ، وأمّا قول البخاريّ : «كيف كان بدء الوحي» ؛ فهو استفهام محض :
إمّا على سبيل الحكاية ؛ كأنّ سائلا سأله ، فقال : كيف كان بدء الوحي.
وإمّا أن يكون من قوله هو ، كأنّه سأل نفسه : كيف كان بدء الوحي ، فأجاب بالحديث الذي فيه كيفيّة ذلك».
وقوله : «الظّالمين» من وضع الظّاهر موضع المضمر ، ويجوز : أن يراد به ضمير من
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٢١.