عنه حلمه ، أي : غاب ، وقوم معزّبون ، أي : عزبت عنهم إبلهم» وفي الحديث : «من قرأ القرآن في أربعين يوما ، فقد عزّب» ، أي : فقد بعد عهده بالختمة ، وقال قريبا منه الهرويّ ، فإنّه قال : «أي : بعد عهده بما ابتدأ منه ، وأبطأ في تلاوته» وفي حديث أم معبد : «والشّاء عازب حيال».
قال : والعازب : البعيد الذهاب في المرعى ، والحائل : التي ضربها الفحل ، فلم تحمل لجدوبة السّنة ، وفي الحديث أيضا : «أصبحنا بأرض عزوبة صحراء» ، أي : بعيدة المرعى. ويقال للمال الغائب : عازب ، وللحاضر : عاهن ، والمعنى في الآية : وما يبعد ، أو ما يخفى ، أو ما يغيب عن ربّك.
و (مِنْ مِثْقالِ) فاعل ، و «من» : مزيدة فيه ، أي : ما يبعد عنه مثقال ، والمثقال هنا : اسم لا صفة ، والمعنيّ به الوزن ، أي : وزن ذرّة ، ومثقال الشّيء : ما يساويه في الثّقل ، والمعنى : ما يساوي ذرّة ، والذرّ : صغار النّمل واحدها ذرّة ، وهي تكون خفيفة الوزن جدّا.
فإن قيل : لم قدّم الله ذكر الأرض هنا على ذكر السماء ، مع أنّه قال في سبأ : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) [سبأ : ٣]؟.
فالجواب : حقّ السّماء أن تقدّم على الأرض ، إلّا أنه ـ تعالى ـ لمّا ذكر في هذه الآية شهادته على أحوال أهل الأرض وأعمالهم ، ثم وصل بذلك قوله : لا يعزب عنه ؛ ناسب أن تقدم الأرض على السّماء في هذا الموضع.
قوله : (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) قرأ حمزة (١) : برفع راء «أصغر» و «أكبر» ، والباقون : بفتحها.
فأما الفتح ففيه وجهان :
أحدهما : ـ وعليه أكثر المعربين ـ أنّه جرّ ، وإنما كان بالفتحة ؛ لأنّه لا ينصرف للوزن والوصف ، والجرّ لأجل عطفه على المجرور ، وهو : إمّا «مثقال» ، أو «ذرّة».
وأمّا الوجه الثاني : فهو أنّ «لا» نافية للجنس ، و «أصغر» و «أكبر» اسمها ، فهما مبنيّان على الفتح.
وأمّا الرّفع فمن وجهين :
أشهرهما عند المعربين : العطف على محلّ «مثقال» إذ هو مرفوع بالفاعليّة ، و «من» مزيدة فيه ؛ كقولك : «ما قام من رجل ولا امرأة» بجرّ «امرأة» ورفعها.
__________________
(١) ينظر : السبعة ص (٣٢٨) ، الحجة ٤ / ٢٨٤ ، حجة القراءات ص (٣٣٤) إعراب القراءات ١ / ٢٨٤ ، النشر ٢ / ٢٨٥ ، إتحاف ٢ / ١١٧.