تقولون ، ثم حذف منه مفعول «أتقولون» لدلالة الحال عليه ، ثم قال : أسحر هذا وهو استفهام على سبيل الإنكار ، ثم احتجّ على أنّه ليس بسحر ، بقوله : (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) ؛ ومثل الآية في حذف المقول قول الشاعر : [الطويل]
٢٩٢٢ ـ لنحن الألى قلتم فأنّى ملئتم |
|
برؤيتنا قبل اهتمام بكم رعبا (١) |
وفي كتاب سيبويه : «متى رأيت أو قلت زيدا منطلقا» على إعمال الأول ، وحذف معمول القول ، ويجوز إعمال القول بمعنى الحكاية به ، فيقال : «متى رأيت أو قلت زيد منطلق» وقيل : القول في الآية بمعنى : العيب والطّعن ، والمعنى : أتعيبون الحقّ وتطعنون فيه ، وكان من حقّكم تعظيمه ، والإذعان له ، من قولهم : «فلان يخاف القالة» و «بين الناس تقاول» إذا قال بعضهم لبعض ما يسوؤه ، ونحو القول الذّكر في قوله : (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) [الأنبياء : ٦٠] وكلّ هذا ملخّص من كلام الزمخشريّ.
قوله : «قالوا» يعني : فرعون وقومه ، (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا) اللّام متعلقة بالمجيء ، أي : أجئت لهذا الغرض ، أنكروا عليه مجيئه لهذه العلّة ، واللّفت : الليّ والصّرف ، لفته عن كذا ، أي : صرفه ولواه عنه ، وقال الأزهري (٢) : «لفت الشّيء وفتله» : لواه ، وهذا من المقلوب.
قال شهاب الدّين : «ولا يدّعى فيه قلب ، حتى يرجح أحد اللفظين في الاستعمال على الآخر ، ولذلك لم يجعلوا جذب وجبذ ، وحمد ومدح من هذا القبيل لتساويهما ، ومطاوع لفت : التفت ، وقيل : انفتل ، وكأنّهم استغنوا بمطاوع «فتل» عن مطاوع لفت ، وامرأة لفوت ، أي : تلتفت لولدها عن زوجها ، إذا كان الولد لغيره ، واللّفيتة : ما يغلظ من القصيدة» والمعنى : أنّهم قالوا : لا نترك الذي نحن عليه ؛ لأنّا وجدنا أباءنا عليه ، فتمسكوا بالتقليد ، ودفعوا الحجّة الظاهرة بمجرد الإصرار.
قوله : (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ) الكبرياء : اسم «كان» ، و «لكم» : الخبر ، و (فِي الْأَرْضِ) : جوّز فيها أبو البقاء خمسة أوجه :
أحدها : أن تكون متعلقة بنفس الكبرياء.
الثاني : أن يتعلق بنفس «تكون».
الثالث : أن يتعلّق بالاستقرار في «لكم» لوقوعه خبرا.
الرابع : أن يكون حالا من «الكبرياء».
الخامس : أن يكون حالا من الضّمير في «لكما» «لتحمّله إيّاه». والكبرياء مصدر على وزن «فعلياء» ، ومعناها : العظيمة ؛ قال عديّ بن الرّقاع : [الخفيف]
__________________
(١) ينظر البيت في الهمع ١ / ٥٧ والدرر ١ / ١٣٩ والبحر المحيط ٥ / ١٨٠ ، والدر المصون ٤ / ٥٧.
(٢) ينظر : تهذيب اللغة ١٤ / ٢٨٥.