ذكرتموه باطل ، بل الحقّ : أنّ الذي جئتم به هو السّحر الذي يظهر بطلانه ، ثم أخبرهم بأن الله يحق الحق ، ويبطل الباطل.
قوله : (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) قرأ أبو عمرو (١) وحده : «آلسّحر» بهمزة الاستفهام ، وبعدها ألف محضة ، وهي بدل عن همزة الوصل الدّاخلة على لام التعريف ، ويجوز أن تسهّل بين بين ، وقد تقدّم تحقيق هذين الوجهين في قوله : (آلذَّكَرَيْنِ) [الأنعام : ١٤٣] وهي قراءة مجاهد ، وأصحابه ، وأبي جعفر ، وقرأ باقي السبعة : بهمزة وصل تسقط في الدّرج ، فأمّا قراءة أبي عمرو ، ففيها أوجه :
أحدها : أنّ «ما» استفهاميّة في محلّ رفع بالابتداء ، و (جِئْتُمْ بِهِ) : الخبر ، والتقدير: أي شيء جئتم ، كأنّه استفهام إنكار ، وتقليل للشّيء المجاء به. و «السّحر» بدل من اسم الاستفهام ؛ ولذلك أعيد معه أداته ؛ لما تقرّر في كتب النحو ، وذلك ليساوي المبدل منه في أنّه استفهام ، كما تقول : كم مالك أعشرون ، أم ثلاثون؟ فجعلت : أعشرون بدلا من كم ، ولا يلزم أن يضمر للسّحر خبر ؛ لأنّك إذا أبدلته من المبتدأ ، صار في موضعه ، وصار ما كان خبرا عن المبدل منه ، خبرا عنه.
الثاني : أن يكون «السّحر» خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : أهو السّحر.
الثالث : أن يكون مبتدأ محذوف الخبر ، تقديره : السحر هو ، ذكر هذين الوجهين أبو البقاء ، وذكر الثاني مكّي ، وفيهما بعد.
الرابع : أن تكون «ما» موصولة بمعنى : الذي ، و (جِئْتُمْ بِهِ) صلتها ، والموصول في محلّ رفع بالابتداء ، والسّحر على وجهيه من كونه خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ محذوف الخبر ، تقديره : الذي جئتم به أهو السّحر؟ أو الذي جئتم به السحر هو؟ وهذا الضمير هو الرّابط ، كقولك : الذي جاءك أزيد هو؟ قاله أبو حيّان.
قال شهاب الدّين (٢) : قد منع مكّي أن تكون «ما» موصولة ، على قراءة أبي عمرو ، فقال : وقد قرأ أبو عمرو : «آلسحر» بالمدّ ، فعلى هذه القراءة : تكون «ما» استفهاما مبتدأ ، و (جِئْتُمْ بِهِ) : الخبر ، و «السّحر» خبر ابتداء محذوف ، أي : أهو السّحر؟ ولا يجوز أن تكون «ما» بمعنى : «الّذي» على هذه القراءة ؛ إذ لا خبر لها. وليس كما ذكر ، بل خبرها : الجملة المقدّر أحد جزأيها ، وكذلك الزمخشري ، وأبو البقاء لم يجيزا كونها موصولة ، إلّا في قراءة غير أبي عمرو ، لكنّهما لم يتعرّضا لعدم جوازه.
الخامس : أن تكون «ما» استفهامية في محلّ نصب بفعل مقدّر بعدها ؛ لأنّ لها صدر
__________________
(١) ينظر : السبعة ص (٣٢٨) ، الحجة ٤ / ٢٨٩ ـ ٢٩٠ ، حجة القراءات ص (٣٣٥) ، إعراب القراءات ١ / ٢٧٢ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ١١٨.
(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ٥٩.