أحدهما : أنّ فرعون لمّا كان عظيما عندهم ، عاد الضّمير عليه جمعا ، كما يقول العظيم : نحن نأمر ، وهذا فيه نظر ؛ لأنّه لو ورد ذلك من كلامهم محكيّا عنهم ، لاحتمل ذلك.
الثاني : أنّ فرعون صار اسما لأتباعه ، كما أنّ ثمود اسم للقبيلة كلها. وقال مكّي (١) وجهين آخرين قريبين من هذين ، ولكنّهما أخلص منهما ، قال : إنّما جمع الضمير في ملئهم ؛ لأنّه إخبار عن جبّار ، والجبّار يخبر عنه بلفظ الجمع ، وقيل : لمّا ذكر فرعون ، علم أنّ معه غيره ، فرجع الضّمير عليه ، وعلى من معه.
وقد تقدم نحو من هذا عند قوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ) [آل عمران : ١٧٣] والمراد بالقائل الأول : نعيم بن مسعود ؛ لأنّه لا يخلو من مساعد له على ذلك القول.
الرابع : أن يعود على مضاف محذوف وهو آل ، تقديره : على خوف من آل فرعون ، وملئهم ، قاله الفرّاء ، كما حذف في قوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢].
قال أبو البقاء بعد أن حكى هذا ولم يعزه لأحد : «وهذا عندنا غلط ؛ لأنّ المحذوف لا يعود إليه ضمير ، إذ لو جاز ذلك ، لجاز أن يقول : «زيد قاموا» وأنت تريد : غلمان زيد قاموا».
قال شهاب الدّين (٢) : قوله : «لأنّ المحذوف لا يعود إليه ضمير» ممنوع ، بل إذا حذف مضاف ، فللعرب فيه مذهبان : الالتفات إليه ، وعدمه وهو الأكثر ، ويدلّ على ذلك : أنّه قد جمع بين الأمرين في قوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) [الأعراف : ٣] أي : أهل قرية ، ثم قال: (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) وقد حققت ذلك في موضعه المشار إليه ، وقوله : «لجاز زيد قاموا» ليس نظيره ، فإنّ فيه حذفا من غير دليل ، بخلاف الآية.
وقال أبو حيان ـ بعد أن حكى كلام الفرّاء ـ : وردّ عليه : بأنّ الخوف يمكن من فرعون ، ولا يمكن سؤال القرية ، فلا يحذف إلّا ما دلّ عليه الدّليل ، وقد يقال : ويدلّ على هذا المحذوف جمع الضمير في (وَمَلَائِهِمْ). يعني أنّهم ردّوا على الفراء ، بالفرق بين (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] وبين هذه الآية : بأنّ سؤال القرية غير ممكن ، فاضطررنا إلى تقدير المضاف ، بخلاف الآية فإنّ الخوف تمكّن من فرعون ، فلا اضطرار بنا يدلّنا على مضاف محذوف.
وجواب هذا : أنّ الحذف قد يكون لدليل عقلي أو لفظي ، على أنّه قيل في (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) إنّه حقيقة ، إذ يمكن النبيّ أن يسأل القرية ؛ فتجيبه.
الخامس : أنّ ثمّ معطوفا محذوفا حذف للدّلالة عليه ، والدّليل عليه ؛ كون الملك لا
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ٣٩٠.
(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ٦٢.