يَخْشى) [طه : ٤٤] ، وأن يقول : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف : ١٣٠] ، ثم إنّه ـ تعالى ـ أراد الضّلال منهم ، وأعطاهم النّعم لكي يضلّوا ، وهذا كالمناقضة ، فلا بدّ من حمل أحدهما على الآخر.
وخامسها : لا يجوز أن يقال : إن موسى دعا ربّه بأن يطمس على أموالهم ؛ لأجل أن لا يؤمنوا ، مع تشدده في إرادة الإيمان. وإذا ثبت هذا ؛ وجب تأويل هذه الكلمة ، وذلك من وجوه:
الأول : أنّ اللّام في «ليضلّوا» : لام العاقبة كما تقدّم ، ولما كانت عاقبة قوم فرعون ، هو الضّلال ، عبّر عن هذا المعنى بهذا اللفظ.
الثاني : أنّ التقدير : لئلّا يضلوا ، كقوله : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦] ، فحذف لدلالة المعقول عليه ، كقوله ـ تعالى ـ : (بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الأعراف : ١٧٢] ، أي : لئلّا تقولوا.
الثالث : أن يكون موسى ذكر ذلك على وجه التّعجّب المقرون بالإنكار ، أي : إنّك أتيتهم بذلك لهذا الغرض فإنّهم لا ينفقون هذه الأموال إلّا فيه ، كأنّه قال : أتيتهم زينة وأموالا لأجل أن يضلّوا عن سبيلك ، ثم حذف حرف الاستفهام ، كما في قوله : [الكامل]
٢٩٣١ ـ كذبتك عينك أم رأيت بواسط |
|
غلس الظّلام من الرّباب خيالا (١) |
والمراد : أكذبتك فكذا ههنا.
الرابع : أنّ هذه لام الدّعاء ، وهي لام مكسورة تجزم المستقبل ، ويفتتح بها الكلام ، فيقال : ليغفر الله للمؤمنين ، وليعذّب الله الكافرين ، والمعنى : ربنا ابتليهم بالضّلال عن سبيلك.
الخامس : سلّمنا أنّها لام التّعليل ، لكن بحسب ظاهر الأمر ، لا في نفس الحقيقة ، والمعنى : أنه ـ تعالى ـ لمّا أعطاهم هذه الأموال ، وصارت سببا لبغيهم وكفرهم ، أشبهت حال من أعطى المال لأجل الإضلال ، فورد هذا الكلام بلفظ التّعليل لهذا المعنى.
السادس : أنّ الضّلال قد جاء في القرآن بمعنى : الهلاك ، يقال : ضلّ الماء في اللّبن ، أي : هلك ، فقوله : (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) أي : ليهلكوا ويموتوا ، كقوله ـ تعالى ـ : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [التوبة : ٥٥].
قال ابن الخطيب : واعلم : أنّ الجواب قد تقدّم مرارا ، ونعيد بعضه ، فنقول : الذي يدلّ على أنّ الإضلال من الله ـ تعالى ـ وجوه :
__________________
(١) البيت للأخطل ينظر : ديوانه ٢٤٥ والكتاب ٣ / ١٧٤ والمقتضب ٣ / ٢٩٥ وشرح الكافية ٢ / ٣٧٣ والمغني ١ / ٤٥ والتصريح ٢ / ١٤٤ والخزانة ١١ / ١٣١.