ثم قال : (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) يجوز أن يكون «مغفرة» مبتدأ ، و «لهم» الخبر ، والجملة خبر «أولئك» ، ويجوز أن يكون «لهم» خبر «أولئك» و «مغفرة» فاعل بالاستقرار. فجمع لهم بين شيئين :
أحدهما : زوال العقاب بقوله : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) والثاني : الفوز بالثّواب بقوله (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).
قوله : «فلعلّك» الأحسن أن تكون على بابها من التّرجّي بالنسبة إلى المخاطب.
وقيل : هي للاستفهام كقوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ «لعلنا أعجلناك».
فإن قيل : «فلعلّك» كلمة شك فما فائدتها؟.
فالجواب : أنّ المراد منها الزّجر ، والعرب تقول للرجل إذا أرادوا إبعاده عن أمر : لعلك تقدر أن تفعل كذا مع أنّه لا شك فيه ، ويقول لولده : لعلك تقصر فيما أمرتك ، ويريد توكيد الأمر فمعناه لا تترك.
وقوله : (وَضائِقٌ) نسق على «تارك» ، وعدل عن «ضيّق» وإن كان أكثر من «ضائق».
قال الزمخشريّ : ليدلّ على أنّه ضيّق عارض غير ثابت ، ومثله سيّد وجواد ـ تريد السّيادة والجود الثّابتين المستقرين ـ فإذا أردت الحدوث قلت : سائد وجائد.
قال أبو حيّان (١) : وليس هذا الحكم مختصّا بهذه الألفاظ ؛ بل كلّ ما بني من الثلاثي للثبوت والاستقرار على غير فاعل ردّ إليه إذا أريد به معنى الحدوث تقول : حاسن وثاقل وسامن في : «حسن وثقل وسمن» ؛ وأنشد قول الشاعر : [الطويل]
٢٩٤٦ ـ بمنزلة أمّا اللّئيم فسامن |
|
بها وكرام النّاس باد شحوبها (٢) |
وقيل : إنّما عدل عن «ضيّق» إلى «ضائق» ليناسب وزن «تارك».
والهاء في «به» تعود على «بعض». وقيل : على «ما». وقيل : على التّكذيب و «صدرك» مبتدأ مؤخّر ، والجملة خبر عن الكاف في «لعلّك» ؛ فيكون قد أخبر بخبرين : أحدهما : مفرد ، والثاني : جملة عطفت على مفرد ، إذ هي بمعناه ، فهو نظير : «إنّ زيدا قائم ، وأبوه منطلق».
قوله : (أَنْ يَقُولُوا) في محلّ نصب أو جرّ على الخلاف المشهور في «أن» بعد حذف حرف الجرّ أو المضاف ، تقديره : كراهة أو مخافة أن يقولوا ، أو لئلّا يقولوا ، أو بأن يقولوا.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٤ / ٨٣.
(٢) البيت للسمهري. ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٠٨. وروح المعاني ١٢ / ١٩ والكشاف ٢ / ٣٨٢ والدر المصون ٤ / ٨٣.