قوله : «نوفّ».
الجمهور على «نوفّ» بنون العظمة وتشديد الفاء من «وفّى يوفّي».
وطلحة (١) وميمون بياء الغيبة ، وزيد بن علي كذلك ، إلّا أنّه خفّف الفاء من «أوفى يوفي» ، والفاعل في هاتين القراءتين ضمير الله تعالى.
وقرىء (٢) «توفّ» بضم التاء ، وفتح الفاء مشددة من «وفّي يوفّى» مبنيا للمفعول.
«أعمالهم» بالرّفع قائما مقام الفاعل. وانجزم «نوفّ» على هذه القراءات لكونه جوابا للشّرط ، كما في قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) [الشورى : ٢٠].
وزعم الفرّاء أنّ «كان» هذه زائدة ، ولذلك جزم جوابه ، ولعلّ هذا لا يصحّ ، إذ لو كانت زائدة لكان «يريد» هو الشّرط ، ولو كان الشّرط ، لانجزم ، فكان يقال : «من كان يرد» وزعم بعضهم أنه لا يؤتى بفعل الشّرط ماضيا ، والجزاء مضارعا إلّا مع «كان» خاصة ، ولهذا لم يجىء في القرآن إلا كذلك ، وهذا ليس بصحيح لوروده في غير «كان» ؛ قال زهير : [الطويل]
٢٩٤٧ ـ ومن هاب أسباب المنايا ينلنه |
|
ولو رام أسباب السّماء بسلّم (٣) |
وأمّا القرآن فجاء من باب الاتفاق لذلك.
وقرأ الحسن (٤) «نوفي» بتخفيف الفاء وثبوت الياء من «أوفى» ، ثمّ هذه القراءة محتملة: لأن يكون الفعل مجزوما ، وقدّر جزمه بحذف الحركة المقدرة ؛ كقوله : [الوافر]
٢٩٤٨ ـ ألم يأتيك والأنباء تنمي |
|
بما لاقت لبون بني زياد (٥) |
على أنّ ذلك يأتي في السّعة نحو : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ) [يوسف : ٩٠] وسيأتي محرّرا في سورته ، ويحتمل أن يكون الفعل مرفوعا لوقوع الشّرط ماضيا ؛ كقوله : [الطويل]
٢٩٤٩ ـ وإن شلّ ريعان الجميع مخافة |
|
نقول جهارا : ويلكم لا تنفّروا (٦) |
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٥٦ والبحر المحيط ٥ / ٢١٠ ، والدر المصون ٤ / ٨٤.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٨٤ ، والبحر المحيط ٥ / ٢١٠.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٨٤ ، والدر المصون ٤ / ٨٤.
(٥) البيت لقيس بن زهير. ينظر : الكتاب ٣ / ٣١٦ والخصائص ١ / ٣٣٣ والمحتسب ١ / ٦٧ وأمالي ابن الشجري ١ / ٨٤ والنوادر (٢٠٣) وشرح ديوان الحماسة ٣ / ١٤٨١ وشرح المفصل لابن يعيش ٨ / ٢٤ والخزانة ٨ / ٣٥٩ واللسان (أتى) والمغني ١ / ١٠٨ والإنصاف ١ / ٣٠ والمصنف ٢ / ٨١ ، ١٤ والدر المصون ٤ / ٨٤.
(٦) تقدم.