وكقول زهير : [البسيط]
٢٩٥٠ ـ وإن أتاه خليل يوم مسألة |
|
يقول لا غائب مالي ولا حرم (١) |
وهل يجوز الرفع ؛ لأنه على نيّة التقديم ، وهو مذهب سيبويه ، أو على نيّة الفاء ، كما هو مذهب المبرد ؛ خلاف مشهور.
ومعنى (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) أي : نوفّ إليهم أجور أعمالهم في الدنيا بسعة الرزق ودفع المكاره وما أشبهها.
(وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) أي : في الدنيا لا ينقص حظهم.
روى أنس ـ رضي الله عنه ـ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وشرف ومجد وكرم وبجل وعظم قال : «إنّ الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدّنيا ، ويجزى عليها في الآخرة ، وأمّا الكافر فيطعم بحسناته في الدّنيا حتّى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يعطى بها خيرا» (٢).
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها) في الدنيا (وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) هذه الآية إشارة إلى التّخليد في النّار ، والمؤمن لا يخلد ، لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨].
قوله : (وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها) يجوز أن يتعلّق «فيها» ب «حبط» والضمير على هذا يعود على الآخرة ، أي وظهر حبوط ما صنعوا في الآخرة ، ويجوز أن يتعلّق ب «صنعوا» فالضّمير يعود على الحياة الدّنيا كما عاد عليها في قوله : (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) [هود : ١٥].
و «ما» في (ما صَنَعُوا) يجوز أن تكون بمعنى الذي ، فالعائد محذوف ، أي : الذي صنعوه ، وأن تكون مصدرية ، أي : وحبط صنعهم.
قوله : (وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) قرأ الجمهور برفع الباطل ، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون «باطل» خبرا مقدما ، و (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) مبتدأ مؤخّر ، و «ما» تحتمل أن تكون مصدرية ، أي : وباطل كونهم عاملين ، وأن تكون بمعنى «الذي» والعائد محذوف ، أي : يعملونه ، وهذا على أنّ الكلام من عطف الجمل ، عطف هذه الجملة على ما قبلها.
الثاني : أن يكون «باطل» مبتدأ ، و (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) خبره ، قاله مكي ، ولم يذكر غيره ، وفيه نظر.
__________________
(١) تقدم.
(٢) أخرجه مسلم ٤ / ٢١٦٢ ، كتاب صفات المنافقين : باب جزاء المؤمن بحسناته (٥٦ ـ ٢٨٠٨) ، وأحمد في المسند ٣ / ١٢٣ ـ ٢٨٣.