قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) الآية.
أورده في معرض المبالغة دليلا على أنّ الافتراء على الله ـ تعالى ـ أعظم أنواع الظّلم.
(أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) [الأنعام : ٢١] يعنى : القرآن ، «أولئك» يعنى : الكاذبين والمكذبين.
(يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) فيسألهم عن إيمانهم ، وخصّهم بهذا العرض ، وإن كان العرض عاما في كلّ العباد لقوله تعالى : (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) [الكهف : ٤٨] ؛ لأنهم يعرضون ، فيفتضحون بأن يقول الأشهاد عند عرضهم : (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) فليحقهم من الخزي والنّكال ما لا مزيد عليه.
و «الأشهاد» جمع شاهد ، كصاحب وأصحاب ، أو جمع شهيد كشريف وأشراف.
والمراد ب «الأشهاد» قال مجاهد هم الملائكة الحفظة (١).
وقال قتادة ، ومقاتل : «الأشهاد» النّاس (٢).
وقيل : الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسّلام ـ.
فإن قيل : إذا لم يجز أن يكون الله ـ تعالى ـ في مكان ؛ فكيف قال : (يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) فالجواب : أنّهم يعرضون على الأماكن المعدّة للحساب ، والسؤال ، ويجوز أن يعرضوا على من شاء الله من الخلق بأمر الله من الملائكة والأنبياء والمؤمنين.
ثمّ لمّا أخبر عن حالهم في عقاب القيامة أخبر أنّهم في الحال ملعونون عند الله ـ عزوجل ـ.
روى عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله ـ تعالى ـ يدني المؤمن يوم القيامة فيستره من النّاس ، فيقول : أي عبدي أتعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول : نعم حتّى إذا قرّره بذنوبه ، قال : فإنّي سترتها عليك في الدنيا ، وقد غفرتها لك اليوم ثمّ يعطى كتاب حسناته ، وأمّا الكفّار والمنافقون ، فيقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة الله على الظّالمين» (٣).
(الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يمنعون عن دين الله (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي : إنّهم كما ظلموا أنفسهم بالتزام الكفر ، والضّلال ، فقد أضافوا إليه المنع من الدّين الحق ، وإلقاء
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٢).
(٢) أخرجه الطبري (٧ / ٢٢).
(٣) أخرجه البخاري (٨ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥) كتاب التفسير حديث (٤٦٨٠) ومسلم (٤ / ٢١٢٠) كتاب التوبة : باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله حديث (٥٢ / ٢٧٦٨) والطبري في تفسيره (٧ / ٢٢ ـ ٢٣) عن ابن عمر.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٨٨) وزاد نسبته إلى ابن المبارك وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في «الأسماء والصفات».