وعباءة» ، لطروء تاء التأنيث فيهما ، قاله الزمخشريّ. واعلم أنّ : السّقاية فعل ، وقوله من (آمَنَ بِاللهِ) إشارة إلى الفاعل ، فظاهر اللفظ يقتضي تشبيه الفعل بالفاعل ، والصفة بالموصوف ، وإنّه محال ، وحينئذ فلا بدّ من حذف مضاف ، إمّا من الأول ، وإمّا من الثّاني ، ليتصادق المجعولان ، والتقدير : أجعلتم أهل سقاية الحاجّ ، وعمارة المسجد الحرام كمن آمن ، أو أجعلتم السقاية والعمارة كإيمان من آمن ، أو كعمل من آمن ، ونظيره : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) [البقرة : ١٧٧] ، وقيل : السّقاية والعمارة يعني : السّاقي والعامر ، وهذا كقوله : (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) ، أي : للمتقين ، والمعنى : أجعلتم ساقي الحاج وعامر المسجد الحرام ك من (آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). ويدلّ عليه قراءة أبي وابن الزبير والباقين كما يأتي قريبا.
وقرأ ابن الزّبير (١) ، والباقر ، وأبو وجزة «سقاة ... وعمرة» بضمّ السين ، وبعد الألف تاء التأنيث ، و «عمرة» بفتح العين والميم دون ألف ، وهما جمع «ساق» ، و «عامر» ، كما يقال : قاض وقضاة ، ورام ورماة ، وبارّ وبررة ، وفاجر وفجرة.
والأصل : سقية ، فقلبت الياء ألفا ، لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ولا حاجة هنا إلى تقدير حذف مضاف ، وإن احتيج إليه في قراءة الجمهور.
وقرأ سعيد (٢) بن جبير كذلك ، إلّا أنه نصب «المسجد الحرام» ب «عمرة» ، وحذف التنوين لالتقاء الساكنين ؛ كقوله : [المتقارب]
٢٧٧١ ـ ......... |
|
ولا ذاكر الله إلّا قليلا (٣) |
وقوله (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ). وقرأ الضحاك (٤) «سقاية» ، «عمرة» ، وهما جمعان أيضا ، وفي جمع «ساق» على «فعالة» نظر لا يخفى ، والذي ينبغي أن يقال : أن يجعل هذا جمعا ل «سقي» و «السّقي» هو الشيء المسقي ك «الرّعي ، والطّحن». و «فعل» يجمع على «فعال» ، قالوا : ظئر وظؤار ، وكان من حقه ألا تدخل عليه تاء التأنيث ، كما لم تدخل في : «ظؤار» ، ولكنه أنّث الجمع ، كما أنّث في قولهم : «حجارة ، وفحولة» ، ولا بدّ حينئذ من تقدير مضاف ، أي : أجعلتم أصحاب الأشياء المسقيّة كمن آمن؟.
فصل
روى النّعمان بن بشير قال : كنت عند منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال رجل : لا أبالي ألّا
__________________
(١) ينظر : إتحاف ٢ / ٨٨ ، الكشاف ٢ / ٢٥٦ ، المحرر الوجيز ٣ / ١٦ ، البحر المحيط ٥ / ٢٢ ، الدر المصون ٣ / ٤٥٤.
(٢) ينظر : السابق.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : إتحاف ٢ / ٨٨ ، الكشاف ٢ / ٢٥٦ ، المحرر الوجيز ٣ / ١٦ والبحر المحيط ٥ / ٢٢ ، الدر المصون ٣ / ٤٥٤.