والباقون «عمل» بفتح الميم وتنوينه على أنه اسم ، و «غير» بالرّفع.
فقراءة الكسائي : الضمير فيها يتعيّن عوده على ابن نوح ، وفاعل «عمل» ضمير يعود عليه أيضا ، و «غير» مفعول به. ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف ، تقديره : عمل عملا غير صالح كقوله (وَاعْمَلُوا صالِحاً) [المؤمنون : ٥١]. وقيل : إنه ذو عمل باطل فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه.
وأمّا قراءة الباقين ، ففي الضّمير أربعة أوجه :
أظهرها : أنّه عائد على ابن نوح ، ويكون في الإخبار عنه بالمصدر المذاهب الثلاثة في «رجل عدل» ، و «زيد كرم وجود».
والثاني : أنه يعود على النداء المفهوم من قوله : (وَنادى) أي : نداؤك وسؤالك.
وإلى هذا ذهب أبو البقاء ومكيّ والزمخشريّ. وهذا فيه خطر عظيم (١) ، كيف يقال ذلك في حقّ نبي من الأنبياء ، فضلا عن أول رسول أرسل إلى أهل الأرض بعد آدم ـ عليهما الصلاة والسّلام ـ؟ ولمّا حكاه الزمخشريّ قال : «وليس بذاك» ولقد أصاب. واستدلّ من قال بذلك أنّ في حرف عبد الله بن مسعود إنّه عمل غير صالح أن تسألني ما ليس لك به علم وهذا مخالف للسّواد.
الثالث : أنّه يعود على ركوب ابن نوح المدلول عليه بقوله : (ارْكَبْ مَعَنا).
الرابع : أنّه يعود على تركه الرّكوب ، وكونه مع المؤمنين ، أي : إنّ تركه الركوب مع المؤمنين وكونه مع الكافرين عمل غير صالح ، وعلى الأوجه لا يحتاج في الإخبار بالمصدر إلى تأويل ؛ لأنّ كليهما معنى من المعاني ، وعلى الوجه الرابع يكون من كلام نوح ـ عليه الصلاة والسّلام ـ ، أي: إنّ نوحا قال : إنّ كونك مع الكافرين وتركك الركوب معنا عمل غير صالح ، بخلاف ما تقدّم فإنّه من قول الله تعالى فقط ، هكذا قال مكيّ وفيه نظر ، بل الظّاهر أنّ الكلّ من كلام الله تعالى.
وقال الزمخشريّ : فإن قلت : هلّا قيل : إنّه عمل فاسد. قلت : لما نفاه عن أهله نفى عنه صفتهم بلفظ النفي التي يستبقى معها لفظ المنفي ، وآذن بذلك أنّه إنّما أنجى من أنجى لصلاحهم لا لأنّهم أهلك.
قوله : (فَلا تَسْئَلْنِي) قرأ نافع وابن عامر «فلا تسألنّ» بتشديد النون مكسورة من غير ياء. وابن كثير بتشديدها مع الفتح ، وأبو عمرو والكوفيون بنون مكسورة خفيفة ، وياء وصلا لأبي عمرو ، ودون ياء في الحالين للكوفيين (٢). وفي الكهف (فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ)
__________________
(١) في أ : عقيم.
(٢) ينظر اختلاف السبعة في هذه القراءة في الحجة ٤ / ٣٤٤ ، ٣٤٥ ، ص ٣٤٣ ، ٣٤٤ والإتحاف ٣٢ / ١٢٧ والمحرر الوجيز ٣ / ١٧٧ والبحر المحيط ٥ / ٢٣٠ والدر المصون ٤ / ١٠٤.