قرأه أبو عمرو والكوفيون كقراءتهم هنا ، وافقهم ابن كثير في الكهف ، وأما نافع وابن عامر فكقراءتهما هنا ولابن ذكوان خلاف في ثبوت الياء وحذفها ، وإنّما قرأ ابن كثير التي في هود بالفتح دون التي في الكهف ؛ لأنّ الياء في هود ساقطة في الرسم ؛ فكانت قراءته بفتح النون محتملة بخلاف الكهف فإنّ الياء ثابتة في الرّسم ، فلا يوافق فيها فتحها. وقد تقدّم خلاف ابن ذكوان في ثبوت الياء في الكهف.
فمن خفّف النون ، فهي نون الوقاية وحدها ، ومن شدّدها فهي نون التوكيد.
وابن كثير لم يجعل في هود الفعل متصلا بياء المتكلم ، والباقون جعلوه ، فلزمهم الكسر. وقد تقدّم أنّ «سأل» يتعدّى لاثنين أوّلهما ياء المتكلم ، والثاني (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ).
قوله : (أَنْ تَكُونَ) على حذف حرف الجر ، أي : من أن تكون أو لأجل أن ، وقوله: (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) يجوز في «به» أن يتعلّق ب «علم».
قال الفارسيّ : ويكون مثل قوله : [الرجز]
٢٩٧٨ ـ كان جزائي بالعصا أن أجلدا (١)
ويجوز أن يتعلّق بالاستقرار الذي تعلّق به «لك» ، والباء بمعنى «في» ، أي ما ليس لك به علم. وفيه نظر.
ثم قال (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) يعنى أن تدعو بهلاك الكفار ، ثم تسأل نجاة كافر (قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) وهذا إخبار بما في المستقبل وهو العزم على الترك.
قوله : (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي) لم تمنع «لا» من عمل الجازم كما لم تمنع من عمل الجارّ في نحو : «جئت بلا زاد» قال أبو البقاء : «لأنّها كالجزء من الفعل وهي غير عاملة في النّفي ، وهي تنفي ما في المستقبل ، وليس كذلك «ما» فإنّها تنفي ما في الحال ؛ فلذلك لم يجز أن تدخل «إن» عليها».
قوله : (قِيلَ يا نُوحُ) الخلاف المتقدم في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا) وشبهه عائد هنا ، أي : في كون القائم مقام الفاعل الجملة المحكية أو ضمير مصدر الفعل.
قوله : «بسلام» حال من فاعل «اهبط» أي : ملتبسا بسلام. و «منا» صفة ل : «سلام» فيتعلق بمحذوف أو هو متعلق بنفس «سلام» ، وابتداء الغاية مجاز ، وكذلك «عليك» يجوز أن يكون صفة ل «بركات» أو متعلقا بها.
ومعنى «اهبط» انزل من السفينة ، وعده عند الخروج بالسّلامة أولا ، ثم بالبركة ثانيا.
__________________
(١) تقدم.