وكذلك الخلاف جار في (سَأَلَ سائِلٌ) [المعارج : ١١].
وقرأ طلحة (١) وأبان بن تغلب بتنوين «خزي» و «يومئذ» نصب على الظّرف ب «الخزي» ، وقرأ الكوفيون ونافع في النّمل (مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) [الآية : ٨٩] بالفتح أيضا ، والكوفيون وحدهم بتنوين «فزع» ونصب «يومئذ» به.
ويحتمل في قراءة من نوّن ما قبل «يومئذ» أن تكون الفتحة فتحة إعراب ، أو فتحة بناء ، و «إذ» مضافة لجملة محذوفة عوّض عنها التّنوين تقديره : إذ جاء أمرنا.
وقال الزمخشريّ : ويجوز أن يراد يوم القيامة ، كما فسّر العذاب الغليظ بعذاب الآخرة.
قال أبو حيان (٢) : وهذا ليس بجيّد ؛ لأنه لم يتقدّم ذكر يوم القيامة ، ولا ما يكون فيها ، فيكون هذا التّنوين عوضا عن الجملة التي تكون يوم القيامة.
قال شهاب الدّين (٣) ـ رحمهالله ـ : قد تكون الدّلالة لفظية ، وقد تكون معنوية ، وهذه من المعنوية.
والخزي : الذّل العظيم حتى يبلغ حدّ الفضيحة كما قال الله تعالى في المحاربين : (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا) [المائدة : ٣٣].
ثم قال : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) وإنّما حسن ذلك ، لأنّه تعالى بيّن أنه أوصل العذاب إلى الكافر وصان أهل الإيمان عنه ، وهذا لا يصحّ إلّا من القادر الذي يقدر على قهر طبائع الأشياء ، فيجعل الشّيء الواحد بالنّسبة إلى إنسان بلاء وعذابا ، وبالنسبة إلى إنسان آخر راحة وريحانا.
قوله : (وَأَخَذَ الَّذِينَ) : حذفت تاء التّأنيث : إمّا لكون المؤنث مجازيا ، أو للفصل بالمفعول أو لأنّ الصّيحة بمعنى الصياح ، والصّيحة : فعله يدل على المرّة من الصّياح ، وهي الصوت الشديد : صاح يصيح صياحا ، أي : صوّت بقوة.
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : المراد : الصّاعقة (٤). وقيل : صيحة عظيمة هائلة سمعوها فهلكوا جميعا فأصبحوا جاثمين في دورهم.
وجثومهم : سقوطهم على وجوههم.
وقيل : الجثوم : السّكون ، يقال للطّير إذا باتت في أوكارها إنها جثمت ، ثم إنّ العرب أطلقوا هذا اللفظ على ما لا يتحرك من الموات.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٤١ والدر المصون ٤ / ١١١.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٤١.
(٣) ينظر : الدر المصون ٤ / ١١.
(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٨ / ١٨).