فإن قيل : ما السّبب في كون الصّيحة موجبة للموت؟.
فالجواب من وجوه : أحدها : أنّ الصّيحة العظيمة إنما تحدث عن سبب قوي يوجب تموج الهواء ، وذلك التموج الشديد ربما يتعدّى إلى صمخ الإنسان فيمزق غشاء الدّماغ فيورث الموت.
وثانيها : أنّه شيء مهيب فتحدث الهيبة العظيمة عند حدوثها والأعراض النّفسانية إذا قويت أوجبت الموت.
وثالثها : أنّ الصّيحة العظيمة إذا حدثت من السحاب فلا بد وأن يصحبها برق شديد محرق ، وذلك هو الصّاعقة التي ذكرها ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ.
ثم قال تعالى : (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) كأنّهم لم يوجدوا. والمغنى المقام الذي يقيم الحي فيه يقال : غني الرّجل بمكان كذا إذا أقام به.
قوله : (أَلا إِنَّ ثَمُودَ) قرأ حمزة (١) وحفص هنا «ألا إن ثمود» ، وفي الفرقان : (وَعاداً وَثَمُودَ) [الآية : ٣٨] وفي العنكبوت : (وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ) [الآية : ٣٧] ، وفي النجم : (وَثَمُودَ فَما أَبْقى) [الآية : ٥١] جميع ذلك بمنع الصرف ، وافقهم أبو بكر على الذي في النّجم.
وقوله : (أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) منعه القراء الصرف إلّا الكسائيّ فإنّه صرفه (٢) وقد تقدّم أنّ من منع الصرف جعله اسما للقبيلة ، ومن صرف جعله اسما للحيّ ، أو إلى الأب الأكبر ؛ وأنشد على المنع : [الوافر]
٢٩٨٣ ـ ونادى صالح يا ربّ أنزل |
|
بآل ثمود منك غدا عذابا (٣) |
وأنشد على الصّرف قوله : [الطويل]
٢٩٨٤ ـ دعت أمّ عمرو أمر شرّ علمته |
|
بأرض ثمود كلّها فأجابها (٤) |
وقد تقدّم الكلام على اشتقاق هذه اللفظة في سورة الأعراف.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ
__________________
(١) ينظر : الحجة ٤ / ٣٥٤ وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٨٦ وحجة القراءات ٣٤٤ وأيضا قرأ بها يعقوب ينظر : الإتحاف ٢ / ١٢٩ وينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٨٧ والبحر المحيط ٥ / ٢٤١ والدر المصون ٤ / ١١١.
(٢) ينظر : الحجة ٤ / ٣٥٤ وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٨٨ وحجة القراءات ٣٤٤ وقرأ بها أيضا الأعمش ينظر : الإتحاف ٢ / ١٢٠ وينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٨٧ والبحر المحيط ٥ / ٢٤١ والدر المصون ٤ / ١١١.
(٣) ينظر البيت في الدر المصون ٤ / ١١١.
(٤) ينظر البيت في الدر المصون ٤ / ١١٢.