قال شهاب الدّين (١) : «وحاش لله أن تترتب القراءتان على التّكاذب ، ولكن ما قاله الزمخشري صحيح ، الفرض أنّه قد جاء القولان في التفسير ، ولا يلزم من ذلك التّكاذب ؛ لأنّ من قال إنّه سرى بها يعني أنّها سرت هي بنفسها مصاحبة لهم في أوائل الأمر ، ثمّ أخذها العذاب فانقطع سراها ، ومن قال إنّه لم يسر بها ، أي : لم يأمرها ، ولم يأخذها ، وأنّه لم يدم سراها معهم بل انقطع فصحّ أن يقال : إنّه سرى بها ولم يسر بها ، وقد أجاب النّاس بهذا ، وهو حسن».
وقال أبو شامة : «ووقع لي في تصحيح ما أعربه النحاة معنى حسن ، وذلك أن يكون في الكلام اختصار نبّه عليه اختلاف القراءتين فكأنّه قيل : فأسر بأهلك إلّا امرأتك ، وكذا روى أبو عبيد وغيره أنها في مصحف عبد الله هكذا ، وليس فيها : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) فهذا دليل على استثنائها من السّرى بهم ثم كأنه سبحانه وتعالى قال : فإن خرجت معكم وتبعتكم ـ غير أن تكون أنت سريت بها ـ فانه أهلك عن الالتفات غيرها ، فإنّها ستلتفت فيصيبها ما أصاب قومها ، فكانت قراءة النّصب دالّة على المعنى المتقدم ، وقراءة الرّفع دالّة على المعنى المتأخر ، ومجموعهما دالّ على جملة المعنى المشروح».
وهو كلام حسن شاهد لما ذكرته.
قوله : (إِنَّهُ مُصِيبُها) الضّمير ضمير الشّأن ، «مصيبها» خبر مقدّم ، و (ما أَصابَهُمْ) مبتدأ مؤخّر وهو موصول بمعنى «الذي» ، والجملة خبر «إنّ» ؛ لأنّ ضمير الشّأن يفسّر بجملة مصرّح بجزأيها.
وأعرب أبو حيان (٢) : «مصيبها» مبتدأ ، و (ما أَصابَهُمْ) الخبر وفيه نظر من حيث الصّناعة : فإنّ الموصول معرفة ، فينبغي أن يكون المبتدأ : «مصيبها» نكرة ؛ لأنه عامل تقديرا فإضافته غير محضة ، ومن حيث المعنى : إنّ المراد الإخبار عن الذي أصابهم أنه مصيبها من غير عكس ويجوز عند الكوفيين أن يكون «مصيبها» مبتدأ ، و «ما» الموصولة فاعل لأنّهم يجيزون أن يفسّر ضمير الشّأن بمفرد عامل فيما بعده نحو : «إنه قائم أبواك».
قوله : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ) أي : موعد إهلاكهم. وقرأ عيسى (٣) بن عمر «الصّبح» بضمتين فقيل : لغتان ، وقيل : بل هي إتباع ، وقد تقدّم البحث في ذلك [الأنعام : ٩٦].
قوله : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) قيل : المراد حقيقته ، وقيل : المراد بالأمر العذاب ، قال بعضهم : لا يمكن حمله هنا على العذاب ؛ لأن قوله : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا ،) فالجعل هو العذاب فكان الأمر شرطا ، والعذاب الجزاء ، والشرط غير الجزاء ، فالأمر غير العذاب ، فدلّ على أن الأمر هو ضدّ النهي ؛ ويدل على ذلك قول الملائكة : (إِنَّا أُرْسِلْنا
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٢٠.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٤٩.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٤٨ ، والدر المصون ٤ / ١٢١.