إِلى قَوْمِ لُوطٍ) فدل على أنّهم أمروا بالذهاب إلى قوم لوط بإيصال العذاب إليهم.
فإن قيل : لو كان كذلك ، لقال : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) ، جعلوا (عالِيَها سافِلَها) ، لأن الفعل صدر عن المأمور.
فالجواب : أن فعل العبد فعل الله تعالى ، وأيضا : فالذي وقع إنّما وقع بأمر الله ، وبأقداره ، فلا يمتنع إضافته إلى الله تعالى ؛ فكما يحسن إضافته إلى المباشرين ، يحسن إضافته إلى المسبّب.
قوله : (عالِيَها سافِلَها) مفعولا الجعل الذي بمعنى التّصيير ، و «سجّيل» قيل : هو في الأصل مركّب من : «سنك وكل» وهو بالفارسيّة حجر وطين فعرّب ، وغيّرت حروفه ، كما عرّبوا الدّيباج والدّيوان والاستبرق. وقيل : «سجّيل» اسم للسّماء ، وهو ضعيف أو غلط ، لوصفه ب «منضود». وقيل : من أسجل ، أي : أرسل فيكون «فعّيلا» ، وقيل : هو من التسجيل ، والمعنى : أنه ممّا كتب الله وأسجل أن يعذّب به قوم لوط ، وينصر الأول تفسير ابن عبّاس أنّه حجر وطين كالآجر المطبوخ (١) وعن أبي عبيدة هو الحجر الصّلب. وقيل : «سجّيل» موضع الحجارة ، وهي جبال مخصوصة. قال تعالى : (مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) [النور : ٤٣].
قال الحسن : كان أصل الحجر هو الطين فشددت (٢).
و «منضود» صفة ل «سجّيل». والنّضد : جعل الشّيء بعضه فوق بعض ، ومنه (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) [الواقعة : ٢٩] أي : متراكب ، والمراد وصف الحجارة بالكثرة.
«مسوّمة» نعت ل «حجارة» ، وحينئذ يلزم تقدّم الوصف غير الصّريح على الصّريح لأنّ (مِنْ سِجِّيلٍ) صفة ل «حجارة» ، والأولى أن يجعل حالا من «حجارة» ، وسوّغ مجيئها من النكرة تخصّص النكرة بالوصف. والتّسويم : العلامة. قيل : علّم على كلّ حجر اسم من يرمي به وتقدّم اشتقاقه في آل عمران [١٤] في قوله : (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ).
وقال الحسن والسديّ : كان عليها أمثال الخواتيم (٣). قال أبو صالح : رأيت منها عند أم هانىء ، وهي حجارة فيها خطوط حمر على هيئة الجزع. وقال ابن جريج : كان عليها سيماء لا تشبه حجارة الأرض.
و «عند» إمّا منصوب ب «مسوّمة» ، وإمّا بمحذوف على أنّها صفة ل «مسوّمة».
قوله : (وَما هِيَ) الظّاهر عود هذا الضمير على القرى المهلكة. وقيل : يعود على الحجارة وهي أقرب مذكور. وقيل : يعود على العقوبة المفهومة من السّياق ، ولم يؤنّث
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٩٧).
(٢) ذكره الطبري في «تفسيره» (٧ / ٩٣) والبغوي (٢ / ٣٩٧).
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٨ / ٣٢).