(فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أي : ما نفعتهم تلك الآلهة في شيء ألبتة.
قوله : (لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) أي : عذاب ربك.
قال الزمخشريّ : «لمّا» منصوب ب «أغنت» وهو بناء منه على أنّ «لمّا» ظرفية.
والظّاهر أنّ «ما» نافية ، أي : لم تغن. ويجوز أن تكون استفهامية ، و «يدعون» حكاية حال ، أي : التي كانوا يدعون ، و (ما زادُوهُمْ) الضّمير المرفوع للأصنام ، والمنصوب لعبدتها وعبّر عنهم بواو العقلاء ؛ لأنهم نزّلوهم منزلتهم.
والتّتبيب : التّخسير ، يقال : تبّ الرجل غيره إذا أوقعه في الخسران. يقال : تبّب غيره وتبّ هو بنفسه ، فيستعمل لازما ومتعديا ، ومنه (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ).
وتبّبته تتبيبا ، أي : خسّرته تخسيرا. قال لبيد :
٣٠١٥ ـ ولقد بليت وكلّ صاحب جدّة |
|
لبلى يعود وذاكم التّتبيب (١) |
وقيل : التّتبيب : التّدمير. والمعنى : أنّ الكفار يعتقدون في الأصنام أنها تنفع وتدفع المضار ، ثم أخبر أنّهم عند الحاجة إلى المعين ما وجدوا فيها شيئا لا جلب نفع ، ولا دفع ضرر ، وإنّما وجدوا ضدّ ذلك ، وهذا أعظم الخسران.
قوله : (وَكَذلِكَ) خبر مقدّم ، و «أخذ» مبتدأ مؤخر ، والتقدير : ومثل ذلك الأخذ أي : أخذ الله الأمم السّالفة أخذ ربك.
و «إذا» ظرف متمحّض ، ناصبه المصدر قبله ، وهو قريب من حكاية الحال ، والمسألة من باب التنازع فإنّ الأخذ يطلب «القرى» ، و «أخذ» الفعل أيضا يطلبها ، وتكون المسألة من إعمال الثاني للحذف من الأوّل.
وقرأ عاصم (٢) وأبو رجاء والجحدريّ «أخذ ربك ، إذ أخذ» جعلهما فعلين ماضيين ، و «ربّك» فاعل. وقرأ طلحة بن مصرف كذلك إلّا أنّه ب «إذا» (٣).
قال ابن عطيّة (٤) : وهي قراءة متمكنة المعنى ، ولكن قراءة الجماعة تعطي الوعيد ، واستمراره في الزّمان ، وهو الباب في وضع المستقبل موضع الماضي.
وقوله : (وَهِيَ ظالِمَةٌ) جملة حاليّة. والضمير في (وَهِيَ ظالِمَةٌ) عائد إلى القرى ، وهو في الحقيقة عائد إلى أهلها ، كقوله : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً) [الأنبياء : ١١] (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) [القصص : ٥٨].
__________________
(١) ينظر البيت في ديوانه (٢٧١) والقرطبي ٩ / ٦٤ والبحر المحيط ٥ / ٢٥٢ والدر المصون ٤ / ١٣٠.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٦٠ والدر المصون ٤ / ١٢٩.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٦١ والدر المصون ٤ / ١٢٩.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٠٦.