السّموات والأرض ، فلا حاجة بكم إلى هذا الجواب ألبتّة ، فثبت أنّ هذا الجواب على كلا التقريرين ضائع.
قال : والحقّ عندي أنّ المفهوم من الآية أنّه متى كانت السّموات والأرض دائمتين ، كان كونهم في النّار باقيا ، وهذا يقتضي أنه كلما حصل الشرط حصل المشروط ، ولا يقتضي أنّه إذا عدم الشرط أن يعدم المشروط ، ألا ترى أنّا نقول : إن كان هذا إنسان فهو حيوان ، فإذا قلنا : لكنّه إنسان ، فإنه ينتج أنّه حيوان ، أمّا إذا قلنا لكنّه ليس بإنسان لم ينتج أنّه ليس بحيوان ؛ لأنه يثبت في علم المنطق أنّ استثناء نقيض المقدمة لا ينتج شيئا ، فكذا ههنا إذا قلنا : متى دامت السموات والأرض دام عقابهم ، فإذا قلنا : لكن السموات والأرض دائمة لزم أن يكون عقابهم حاصلا ، أمّا إذا قلنا : لكنه ما بقيت السّموات والأرض لم يلزم عدم دوام عقابهم.
فإن قالوا : إذا كان العقاب حاصلا سواء بقيت السّموات ، أو لم تبق ، لم يبق لهذا التّشبيه فائدة.
قلنا : بل فيه أعظم الفوائد ، وهو أنه يدلّ على بقاء ذلك العذاب زمانا دائما طويلا ، لا يحيط العقل بطوله وامتداده ، فأمّا أنه هل يحصل له آخر أم لا؟ فذلك يستفاد من دليل آخر.
وأمّا الشبهة الثانية وهي تمسّكهم بقوله تعالى : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) فذكروا عنه أجوبة :
أحدها : قال ابن قتيبة وابن الأنباري والفرّاء هذا استثناء استثناه الله تعالى ، ولا يفعله ألبتّة ، كقولك : والله لأضربنك إلّا أن أرى غير ذلك ، وعزيمتك أن تضربه.
ولقائل أن يقول : هذا ضعيف ؛ لأنه إذا قال : لأضربنك إلّا أن أرى غير ذلك ، معناه : لأضربنك إلّا إذا رأيت أن الأولى ترك الضرب ، وهذا لا يدلّ ألبتّة على أنّ الرّؤية قد حصلت أم لا؟ بخلاف قوله : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) فإن معناه الحكم بخلودهم فيها إلّا المدة التي شاء ربك ، فهاهنا اللفظ يدلّ على أنّ هذه المشيئة قد حصلت جزما ، فكيف يحصل قياس هذا الكلام على ذلك الكلام.
وثانيها : قال الزمخشريّ : فإن قلت : ما معنى الاستثناء في قوله تعالى : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) وقد ثبت خلود أهل الجنّة والنّار في الأبد من غير استثناء؟ قلت : هو استثناء من الخلود في عذاب أهل النّار ، ومن الخلود في نعيم أهل الجنّة ، وذلك أنّ أهل النّار لا يخلّدون في عذابها وحده ، بل يعذّبون بالزّمهرير ، وبأنواع أخر من العذاب ، وبما هو أشدّ من ذلك وهو سخط الله عليهم ، وكذا أهل الجنة لهم مع نعيم الجنة ما هو أكثر منه كقوله : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) [التوبة : ٧٢] ، والدّليل عليه قوله : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [هود : ١٠٨] وفي مقابله قوله : (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧] أي : يفعل بهم ما