قرأ الأخوان وحفص «سعدوا» بضمّ السين. والباقون (١) بفتحها ، فالأولى من قولهم : سعده الله ، أي : أسعده حكى الفرّاء عن هذيل أنها تقول : سعده الله بمعنى أسعده.
وقال الجوهريّ : سعد فهو سعيد ك : سلم فهو سليم وسعد فهو مسعود. وقال ابن القشيري : ورد سعده الله فهو مسعود ، وأسعده فهو مسعد.
وقيل : يقال : سعده وأسعده فهو مسعود ، استغنوا باسم مفعول الثلاثي.
وحكي عن الكسائي أنّه قال : هما لغتان بمعنى يعني : فعل وأفعل. وقال أبو عمرو ابن العلاء : يقال : سعد الرجل ، كما يقال : جنّ ، وقيل : سعده لغة مهجورة
وقد ضعّف جماعة قراءة الأخوين. قال المهدويّ : من قرأ «سعدوا» فهو محمول على مسعود ، وهو شاذّ قليل ؛ لأنه لا يقال : سعده الله ، إنّما يقال : أسعده الله وقال بعضهم : احتجّ الكسائيّ بقولهم : «مسعود» قيل : ولا حجّة فيه ؛ لأنه يقال : مكان مسعود فيه ثم حذف «فيه» وسمّي به. وكان عليّ بن سليمان يتعجّب من قراءة الكسائي «سعدوا» مع علمه بالعربيّة ، والعجب من تعجّبه.
قال مكيّ : قراءة حمزة والكسائي «سعدوا» بضمّ السّين حملا على قولهم : «مسعود» وهي لغة قليلة شاذة ، وقولهم : «مسعود» ، إنّما جاء على حذف الزّوائد : كأنّه من أسعده الله ، ولا يقال : سعده الله ، وهو مثل قولهم : أجنّه الله فهو مجنون ، أتى على جنّه الله ، وإن كان لا يقال ذلك ، كما لا يقال : سعده الله. وضمّ السين بعيد عند أكثر النحويين إلا على حذف الزوائد. وقال أبو البقاء : وهذا غير معروف في اللغة ، ولا هو مقيس.
فصل
قال ابن الخطيب (٢) : الاستثناء في باب السّعداء يجب حمله على كل الوجوه المذكورة فيما تقدّم ، وها هنا وجه آخر ، وهو : أنه ربما اتفق لبعضهم أن يرفع من الجنّة إلى المنازل الرّفيعة التي لا يعلمها إلّا الله تعالى ، لقوله : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ ،) إلى أن قال : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) [التوبة : ٧٢].
قوله : «عطاء» نصب على المصدر المؤكد من معنى الجملة قبله ؛ لأن قوله : (فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ) يقتضي إعطاء وإنعاما فكأنّه قيل : يعطيهم عطاء ، و «عطاء» اسم مصدر والمصدر في الحقيقة الإعطاء على الأفعال ، أو يكون على حذف الزّوائد ، كقوله :
__________________
(١) ينظر : الحجة ٤ / ٣٧٨ وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٩٣ وحجة القراءات ٣٤٩ والإتحاف ٢ / ١٣٥ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٠٩ وقرأ بها أيضا ابن مسعود وطلحة بن مصرف وابن وثاب والأعمش ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٦٤ وينظر : الدر المصون ٤ / ١٣١.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٧ / ٥٤.