والسلام ، مقتديا بمن سلف من العلماء ـ متّعهم الله بثوابه الجسيم ـ مردفا لها بقوله : ( الحمد لله ) أداء لبعض ما يجب عليه شكره من نعمة الظاهرة وآلائه المتظافرة ، التي تصنيف هذه الرسالة الشريفة العذراء ـ التي لم تسمح فكرة بمثالها ولا نسج ناسج على منوالها ـ أثر من آثارها وقطرة من تيّار بحارها.
ومن ثمّ عدل عن أسلوب هذا التركيب ـ حيث كان حقّه انتصاب الحمد على المصدريّة الموجب للجملة الفعلية ـ إلى الرفع بالابتدائية ، لتصير جملة اسميّة ، مقترنا باللامين الدالّة إحداهما على الاستغراق أو الجنسيّة ، والثانية على اختصاص الحمد بالذات الإلهيّة ، وإنّه حقيق بجميع أفراد الشكر الجليّة والخفيّة ، لرجوع جميع النعم إلى مقدّس حضرته الأزليّة ، وحينئذ فتقصر عنها ألسنة الحامدين وجوارح الشاكرين ، وتنهضم لديها مقامات العاملين ، فيوجب ذلك البعد عن منازل المقرّبين ، فناسب جعل النسبة مقترنة بغيبة المحمود الواحد ، لبعد مقام الحامدين.
وهذه الجملة من صيغ الحمد ، وهو الوصف بالجميل ، إذ القصد بها الثناء على الله ، بمضمونها من أنّه مالك لجميع الحمد من الخلق ، أو مستحقّ لأن يحمدوه ، لا الإخبار بذلك.
( الذي ضمّ النشر ) بالتحريك ـ وهو المنتشر ، أي ألّفه ( بجمع الشتات ) أي شتاته ، واللام عوض عن المضاف إليه ، ولا حظ بتخصيص هذه الصفة براعة الاستهلال (١) حيث وفّقه في هذه الرسالة لجمع أشتات السنن على وجه بديع وسبيل منيع لم يسبقه إليها سابق ، ولا ركض في حلبتها سابق.
ولمّا أشار إلى حمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله ، مع التنبيه على النعم الحاضرة ، أردفه بالثناء على الأرواح المقدّسة المتوسّطة بين المنعم المطلق والمنعم عليه بتبليغ التكليف ، والحمل على الوصف الشريف ، وهم الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، فقال : ( وأرسل خير البشر ) بالتحريك ـ وهو الخلق ( ب ) الآيات
__________________
(١) براعة الاستهلال هي أن يبتدئ الناظم أو الناثر كلامه بما يدلّ على مقصوده منه بالإشارة لا بالتصريح ، انظر : « جواهر البلاغة » ٤٣٨.