( البيّنات ) اكتفى بالصفة عن الموصوف ، إشعارا بظهوره على وجه لا التباس فيه ، وتفخيما لشأنه ، ومنه قوله تعالى ( أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ ) (١) ، ( لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ ) (٢) وفي هذه الفقرة ثناءان :
أحدهما على الله تعالى من حيث عطفها على الصلة ، ووجه الثناء على الله تعالى بإرسال الرسل واضح ، من حيث جعلهم سببا قريبا لتبليغ الأحكام التكليفية ، وحملهم الخلق على الشيم المرضيّة ، وتكميل نفوسهم البشريّة الموجب للفوز بالسعادة الأبدية.
والثاني على الرسل عليهمالسلام ، بجعلهم خير الخلق الشامل لجنسهم وغيره حتّى الملائكة ، وكونهم مع ذلك رسل الله تعالى بالآيات البيّنات وسبيل تحصيل الكمالات إلى غير ذلك.
واكتفى بهذا القدر من الثناء عليهم عمّا هو المعروف من الصلاة عليهم ، لأنّ غايتها ترجع إلى الثناء العائد نفعه إلى المصلّي المثني عليهم بما هم أهله ، لا طلب علوّ المنزلة لهم بالدعاء ، فإنّ الله تعالى قد أعطاهم من المنزلة الرفيعة والمقامات المنيعة ما لا تؤثّر فيه صلاة مصلّ من أول الدهر إلى آخره ، كما ورد في الأخبار (٣) وصرّح به العلماء (٤) الأخيار.
وفي « النشر » و « البشر » الجناس المصحّف كجبّة وجنّة من قولهم : « جبّة البرد جنّة البرد » (٥) وكقول عليّ عليهالسلام : « قصّر ثيابك فإنّه أبقى وأتقى » (٦).
( وختمهم بمحمّد )صلىاللهعليهوآله ، أي جعله آخرهم ، وفي تخصيصه من بينهم ونعته بالختم لهم تفخيم لشأنه وتعظيم كما هو اللائق بمقامه صلىاللهعليهوآله ، خصوصا في وصفه بالختم ، فإنّ فيه إيذانا بأنّ شريعته باقية إلى آخر الزمان ، وأنّها
__________________
(١) « سبأ » ٣٤ : ١١.
(٢) « الحديد » ٥٧ : ٢٥.
(٣) « الكافي » ٢ : ٤٩٢ ـ ٤٩٣ باب الصلاة على النبي وأهل بيته عليهمالسلام ، ح ٦ ، ٩ ، ١٤.
(٤) « نضد القواعد الفقهيّة » ٢٢٣ ، « كنز العرفان » ١ : ١٣١.
(٥) « جواهر البلاغة » ٤٠١.
(٦) « الكافي » ٦ : ٤٥٧ باب تشمير الثياب ، ح ٦.