كما دلّ عليه الأمر في الآية (١) ، والبسملة من القرآن ، فقدّم التعوّذ عليها ، بخلاف ما نحن فيه ، فإنّه من الأمور المقصودة ، فيبدأ بالتسمية ، امتثالا للأمر بها ، ويعقّب بالاستعاذة ، ومحلّ الدعاء بعد الدخول.
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « إذا انكشف أحدكم لبول أو غير ذلك ، فليقل : بسم الله ، فإنّ الشيطان يغضّ بصره » (٢).
( وبعده ) أي بعد الدعاء السابق : ( الحمد لله الحافظ المودي ) والوصف هنا بالحافظ المودي ، للإشارة إلى ما أنعم الله تعالى به من حفظ الغذاء بالقوّة الماسكة والهاضمة إلى أن يأخذ كلّ عضو منه حاجته ، وكلّ خلط منه ما يناسبه ، ثمّ يؤدي الباقي الذي لا فائدة في بقائه ، ويخرج في وقته عند الغنا عنه ، أو الحافظ له بالقوّة الماسكة ، والمودي له بالقوّة الهاضمة والمتصرّفة والجاذبة ونحو ذلك.
( وعند الفعل : اللهمّ أطعمني طيّبا في عافية ، وأخرجه منّي خبيثا في عافية ، وعند النظر إليه ) أي إلى الخارج منه ، اكتفى بدلالة المقام على معاد الضمير ، استهجانا للتصريح به ـ : ( اللهمّ ارزقني الحلال وجنّبني الحرام ، وعند رؤية الماء : الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا ، وعند الاستنجاء : اللهمّ حصّن فرجي ، واستر عورتي ، وحرّمهما على النار ) أي الفرج والعورة ، ثنّاهما باعتبار اختلاف اللفظ ، وإن كانت العورة أعمّ.
ويحتمل أن يريد بالعورة غير الفرج ، وهو الدبر ، أطلق العامّ على الخاصّ ، أو يريد بالعورة : ما يعمّ الفرج ، وجمعهما بسبب اختلاف المطلوب ، فإنّه سأل تحصين الفرج بأن لا يزني به وأن يستر عورته ، وهو أمر مغاير للتحصين وشامل للفرجين.
ويمكن عود الضمير المثنّى إلى العورتين ، إمّا بجعل الياء مشدّدة بإدغام ياء الإعراب في ياء الإضافة ، أو بدلالة المقام عليها.
( ووفّقني لما يقرّبني منك يا ذا الجلال والإكرام ) أي الذي لا جلال ولا كمال إلّا وهو له ، ولا كرامة ولا مكرمة إلّا وهي صادرة منه ، فالجلال له في ذاته ، والكرامة فائضة منه على
__________________
(١) « النحل » ١٦ : ٩٨.
(٢) « تهذيب الأحكام » ١ : ٣٥٣ ـ ١٠٤٧.