من هذا الجانب الذي هو اليسار متوجّها إلى الجنّة.
وفيهما نظر :
أمّا الأول : فلمنع اطّراد المثال في اليسار ، وإنّما المسموع منه والمعقول الوراء وما شاكله ، ووجهه واضح ، لأنّ ما كان إلى الوراء لا ينظر إليه ، وإنّما ينصرف النظر إلى خلاف جهته ، فكأنّه يقال : في ما وراء قطعت نظري عنه واهتممت بغيره ، وأمّا اليسار فلا ، بل هو كاليمين في ذلك.
ومعلوم أنّ الموضوع عليه لا تدلّ اللغة ولا العرف على انصراف النفس عنه وتوجّهها إلى غيره ، بل ربّما كان من جهات التوجّه ومواضع الاهتمام وإن كان الإمام أقوى توجّها وأشدّ عناية.
وأمّا الثاني : فلأنّ التوجّه إلى الجنان نحو اليسار خال عن النكتة ، إذ لا شرف فيها ، بل هي مرجوحة في تلك الدار ، كما نبّه عليه بقوله ( وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ) (١).
فكان الانصراف نحو اليمين أولى كما نبّه تعالى عليه في قسم الشمال.
واقتراح الجهة الخالية عن النكتة في مثل الدعاء البليغ الصادر عن ترجمان الفصاحة وإمام البلاغة غير لائق ، خصوصا مع ظهور المزيّة في غيرها من الجهات كاليمين والامام.
تمام الدعاء : ( وحاسبني حسابا يسيرا ) لم يطلب دخول الجنّة بغير حساب ، هضما لمقامه واعترافا بتقصيره عن الوصول إلى هذا القدر من القرب ، فإنّه مقام الأصفياء ، بل طلب سهولة الحساب ، تفضّلا من الله تعالى وعفوا عن المناقشة بما يستحقّه ، وتحرير الحساب بما هو أهله.
وفيه مع ذلك اعتراف بحقّية الحساب ، مضافا إلى الاعتراف بأخذ الكتاب ، وذلك بعض أهوال يوم الحساب.
__________________
(١) « الواقعة » ٥٦ : ٤١ ـ ٤٢.