وقد أشرنا فيما سبق إلى سرّ التفكيك بين الغسل والتكفين والدفن من أوضحيّة حكمة الحكم في التكفين والدفن منها بالنسبة إلى الغسل المتوقّف على شرائط تعبّديّة لا يتعقّل أهل العرف فائدتها ، فربما لا يساعد إفهامهم على استفادة مطلوبيّته بالنظر إلى كلّ جزء جزء على وجه يعمّ مثل الفرض بحيث يكون هذا النحو من الجزء أيضا لديهم موضوعا مستقلّا للوجوب النفسي حتى يمكن إثباته بالأصل والقاعدة ، وهذا بخلاف الكفن والدفن اللّذين هما من الواجبات التوصّليّة ، فلا امتناع في استفادة عدم سقوط ميسورهما في مثل الفرض من تلك القواعد دونه.
وكفاك شاهدا على ذلك جزم الأصحاب بذلك حيث حكموا بسقوط الغسل وثبوت الدفن بل الكفن أيضا على تردّد فيه من بعضهم ، بل اختيار عدمه ، كما عن المعتبر وجماعة (١) ممّن تبعه ، مع أنّ عمدة مستندهم في هذه الفروع ليست إلّا القواعد ، ولا يبعد أن لا يكون تردّد هذا البعض أو منعه مانعا من الرجوع إليها بالنسبة إلى الكفن أيضا.
وكيف كان فقد عرفت في القطعة ذات العظم أنّ مقتضاها ليس إلّا وجوب مطلق الكفن ولو بلفّها في خرقة من دون مراعاة الخصوصيّات المعتبرة فيه إذا تعذّر إيجاده على النحو الموظّف ، فالمقام أولى بذلك ، بل الظاهر عدم الخلاف في أنّه إذا وجد بعض الميّت ولم يكن فيه عظم (اقتصر على لفّه في خرقة ودفنه).
__________________
(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٤ : ١١٤ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣١٩ ، ومدارك الأحكام ٢ : ٧٦ ، وذخيرة المعاد : ٩١ ، وكفاية الأحكام : ٧.