وأمّا بعدها فهل يحكم بطهارة البدن وسقوط غسل المسّ؟ وجهان ، بل قولان ، أظهر هما : ذلك ، إذ لا شبهة نصّا وإجماعا في أنّ فقد الخليطين ليس رافعا للتكليف بغسل الميّت ، فالمأتيّ به هو ميسور مطلق غسله من غير فرق بين أن نقول بكفاية غسل واحد وعدمها ، إذ لا يوجب ذلك التشكيك في كون المأتيّ به ميسور المتعذّر ، وقد تقرّر في مسألة أولي الأعذار في باب الوضوء أنّه يترتّب على العمل الناقص الذي أوجب الاضطرار صحّته جميع آثار ذلك العمل على تقدير كونه تامّا.
نعم ، لو قلنا بأنّ كلّ غسل عمل مستقلّ له أثر خاصّ يحصل به مرتبة من الطهارة مطلوبة لذاتها وإن حصلت الطهارة المطلقة بتحقّق مجموع تلك المراتب لكن لا يرتبط بعضها ببعض بحيث يكون المأتيّ به ميسور الجميع ، بل المأتيّ به هو الغسل بالماء القراح الذي كان واجبا حال التمكّن لذاته ، وأمّا الغسلان الأخيران فأسقطهما التعذّر ، لاتّجه القول بعدم الرفع.
لكن يتوجّه عليه : أنّه بعد فرض طهوريّة كلّ من الغسلين لا مجال للتشكيك في كون مطلق الغسل بالماء ميسور هما ، فلا يسقط بالمعسور ، لأنّ السبب الأعظم ـ الذي يستند إليه الطهوريّة بنظر المتشرّعة ويدلّ عليه أخبارهم ـ إنّما هو الماء الذي يتقوّم بمطلقه ماهيّة الغسل ، وخصوصيّاته المعتبرة ـ ككونه بماء السدر أو الكافور ـ بمنزلة الأوصاف الغير المقوّمة ، ولذا نقول في المسألة الآتية ـ وهي ما لو تعذّر تغسيل الميّت رأسا ـ : إنّ المتّجه على هذا التقدير هو التيمّم بدلا من كلّ غسل ، مع أنّ التيمّم لا يكون بدلا منه إلّا من حيث كونه غسلا ، لا من حيث كونه بماء السدر والكافور ، فلا يشرع إلّا عند تعذّر مطلق الغسل ،