أجل ذلك إلى إضمار فعل يوافق هذا المنطوق لفظا ، ويخالفه معنى ، وهذا نظير قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) كما قدمناه.
قال الزمخشريّ : «فإن قلت : هل دخل قيامه بالقسط في حكم شهادة الله والملائكة ، وأولي العلم ، كما دخلت الوحدانية؟
قلت : نعم ، إذا جعلته حالا من «هو» أو نصبا على المدح منه ، أو صفة للمنفي ، كأنه قيل : شهد الله والملائكة ، وأولو العلم أنه لا إله إلا هو ، وأنه قائم بالقسط».
فصل
معنى (قائِماً بِالْقِسْطِ) أي : قائما بتدبير الخلق ، كما يقال : فلان قائم بأمر فلان ، أي مدبّر له ، رزّاق ، مجاز بالأعمال ، والمراد بالقسط : العدل.
قال ابن الخطيب : وهذا العدل منه ما هو متصل بباب الدنيا ، ومنه ما هو متصل بباب الدين أما المتصل بالدنيا فانظر ـ أوّلا ـ في كيفية خلقه أعضاء الإنسان ؛ حتى تعرف عدل الله ـ تعالى ـ فيها ، ثم انظر إلى اختلاف أحوال الخلق في الحسن والقبح ، والغنى والفقر ، والصحة والسقم ، وطول العمر وقصره ، واللذة والآلام ، واقطع بأن كل ذلك عدل من الله ، وحكمة وصواب ، ثم انظر في كيفية خلق العناصر ، وأجرام الأفلاك ، وتقدير كل واحد منها بقدر معين ، وخاصيّة معينة ، واقطع بأن كل ذلك حكمة وصواب.
وأما ما يتصل بأمر الدين فانظر إلى اختلاف الخلق في العلم والجهل ، والفطانة والبلادة ، والهداية والغواية ، واقطع بأن كل ذلك عدل وقسط.
قوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) في هذه الجملة وجهان :
الأول : أنها مكرّرة للتوكيد ، قال الزمخشريّ : «فإن قلت : لم كرّر قوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ)؟ قلت : ذكره ـ أولا ـ للدلالة على اختصاصه بالوحدانية ، وأنه لا إله إلا تلك الذات المتميزة ، ثم ذكره ـ ثانيا ـ بعدما قرن بإثبات الوحدانية إثبات العدل ؛ للدلالة على اختصاصه بالأمرين ، كأنه قال : لا إله إلا هذا الموصوف بالصفتين ، ولذلك قرن به قوله تعالى : (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ؛ لتضمنها معنى الوحدانية والعدل».
وقال بعضهم : ليس بتكرير ؛ لأن الأول شهادة الله ـ تعالى ـ وحده. والثاني : شهادة الملائكة وأولي العلم ، وهذا عند من يرفع «الملائكة» بفعل آخر مضمر ـ كما ذكرنا ـ من أنه لا يرى إعمال المشترك ، وأن الشهادتين متغايرتان ، وهو مذهب مرجوح.
وقال الراغب : «إنما كررّ (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ؛ لأن صفات التنزيه أشرف من صفات التمجيد ؛ لأن أكثرها مشارك ـ في ألفاظها ـ العبيد ، فيصح وصفهم بها ، ولذلك وردت ألفاظ في حقه أكثر وأبلغ».
وقال بعضهم : «فائدة هذا التكرار الإعلام بأن المسلم يجب أن يكون ـ أبدا ـ في