وأما الباقون فقيل ـ في قراءتهم ـ : إنما كرر الفعل ؛ لاختلاف متعلّقه ، أو كرّر ؛ تأكيدا ، وقيل : المراد بأحد القتلين إزهاق الروح ، وبالآخر الإهانة ، وإماتة الذكر ، فلذلك ذكر كل واحد على حدته ، ولولا ذلك لكان التركيب : ويقتلون النّبيّين والذين يأمرون ، وبهذا التركيب قرأ أبيّ(١).
قوله : (مِنَ النَّاسِ) إما بيان ، وإما للتبعيض ، وكلاهما معلوم أنهم من الناس ، فهو جار مجرى التأكيد.
فصل
قال القرطبيّ : «دلت هذه الآية على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان واجبا في الأمم المتقدمة ، وهو فائدة الرّسالة وخلافة النبوة».
قال الحسن : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من أمر بالمعروف ، أو نهى عن المنكر ، فهو خليفة الله في أرضه ، وخليفة رسوله ، وخليفة كتابه».
وعن درّة بنت أبي لهب ، قالت : جاء رجل إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو على المنبر ـ فقال : من خير الناس يا رسول الله؟ قال : «آمرهم بالمعروف ، وأنهاهم عن المنكر ، وأتقاهم لله ، وأوصلهم لرحمه».
قد ورد في التنزيل : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) [التوبة : ٦٧] ، ثم قال : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [التوبة : ٧١].
فجعل ـ تعالى ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقا بين المؤمنين والمنافقين ، فدل ذلك على أن أخصّ أوصاف المؤمن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ورأسها الدعاء إلى الإسلام والقتال عليه ، ثم إن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، لا يليق بكل أحد ، وإنما يقوم به السلطان ؛ إذ كانت إقامة الحدود إليه ، والتعزير إلى رأيه ، والحبس والإطلاق له ، والنفي والتغريب ، فينصب في كل بلدة رجلا قويّا ، عالما ، أمينا ، ويأمره بذلك ، ويمضي الحدود على وجهها من غير زيادة ، كما قال تعالى : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) [الحج : ٤١].
فصل
قال الحسن : هذه الآية تدل على أن القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ عند الخوف ـ تلي منزلته ـ في العظم ـ منزلة الأنبياء ، وروي أنّ رجلا قام إلى رسول الله
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٤٣٠.