فامتنع في قراءة حمزة أن تكون «ما» شرطية ، كما امتنع ـ في قراءة الجمهور ـ أن تكون مصدرية.
وأما قراءة التشديد ففيها أوجه :
أحدها : أن «لمّا» هنا ـ ظرفية ، بمعنى «حين» ثم القائل بظرفيتها اختلف تقديره في جوابها ، فذهب الزمخشري إلى أن الجواب مقدّر من جنس جواب القسم ، فقال : «لمّا» ـ بالتشديد ـ بمعنى «حين» أي حين آتيتكم الكتاب والحكمة ، ثم جاءكم رسول ، وجب عليكم الإيمان به ، ونصرته.
وقال ابن عطية : ويظهر أن «لمّا» هذه هي الظرفية ، أي : لما كنتم بهذه الحال رؤساء الناس وأماثلهم أخذ عليكم الميثاق ؛ إذ على القادة يؤخذ ، فيجيء على هذا المعنى كالمعنى في قراءة حمزة فقدر ابن عطية جوابها من جنس ما سبقها ، وهذا الذي ذهب إليه مذهب مرجوح ، قال به الفارسيّ والجمهور وسيبويه وأتباعه والجمهور.
وقال الزجّاج : أي : لما آتاكم الكتاب والحكمة ، أي : أخذ عليكم الميثاق وتكون لما يؤول إلى الجزاء ، كما تقول : لما جئتني أكرمتك.
وهذه العبارة لا يؤخذ منها كون «لما» ظرفية ، ولا غير ذلك ، إلا أن فيها عاضدا لتقدير ابن عطية جوابها من جنس ما تقدمها ، بخلاف تقدير الزمخشريّ.
الثاني : أن «لمّا» حرف وجوب لوجوب ، وهو مذهب سيبويه ، وجوابها كما تقدم من تقديري ابن عطية والزمخشري ، وفي قول ابن عطية : فيجيء على هذا المعنى كالمعنى في قراءة حمزة ـ نظر ؛ إذ قراءة حمزة فيها تعليل ، وهذه القراءة لا تعليل فيها ، اللهم إلا أن يقال : لما كانت «لمّا» تحتاج إلى جواب أشبه ذلك العلة ومعمولها ؛ لأنك إذا قلت : لما جئتني أكرمتك ؛ في قوة : أكرمتك لأجل مجيئي إليه ، فهي من هذه الجهة كقراءة حمزة.
والثالث : أن الأصل : لمن ما ، فأدغمت النون في الميم ، لأنها تقاربها ، والإدغام ـ هنا ـ واجب ، ولما اجتمع ثلاث ميمات : ميم «من» وميم «ما» والميم التي انقلبت من نون ـ من أجل الإدغام ـ فحصل ثقل في اللفظ ، قال الزمخشريّ : «فحذفوا إحداها».
قال أبو حيّان : وفيه إبهام ، وقد عيّنها ابن جني بأن المحذوف هي الأولى ، وفيه نظر ؛ لأن الثقل إنما حصل بما بعد الأولى ، ولذلك كان الصحيح في نظائره إنما هو حذف الثاني ، في نحو (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) [القدر : ٤] وقد ذكر أبو البقاء أن المحذوفة هي النافية ، قال : «لضعفها بكونها بدلا ، وحصول التكرير بها» و «من» هذه التي في لمن ما زائدة في الواجب على رأي الأخفش ـ وهذا تخريج أبي الفتح ، وفيه نظر بالنسبة إلى ادّعائه زيادة «من» ، فإن التركيب يقلق على ذلك ، ويبقى المعنى غير ظاهر.