أمرنا ـ وكلمناه ، وقلنا له ، يا أبا جابر إنك سيد من ساداتنا ، شريف من أشرافنا ، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ، ودعوناه إلى الإسلام ، فأسلم ، وأخبرناه بميعاد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فشهد معنا العقبة ـ وكان نقيبا فيها ـ فبتنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا لميعاد رسول الله صلىاللهعليهوسلم نتسلّل مستخفين تسلّل القطا ، حتى إذا اجتمعنا في الشّعب عند «العقبة» ، ونحن سبعون رجلا ومعنا امرأتان من نسائنا ، نسيبة بنت كعب ، أم عمارة إحدى نساء بني النجّار ، وأسماء بنت عمرو بن عديّ ، أم منيع ، إحدى نساء بني سلمة ، فاجتمعنا في الشّعب ننتظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى جاءنا ومعه عمه العبّاس بن عبد المطلب ، وهو يومئد على دين قومه ، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ، ويتوثّق له ، فلما جلسنا كان أول من تكلم العباس بن عبد المطلب.
فقال : يا معشر الخزرج ـ وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من أنصار خزرجها وأوسها ـ إن محمدا منا حيث قد علمتم ، وقد منعناه من قومنا ، ممن هو على مثل رأينا فيه ، وهو في عزّ من قومه ، ومنعة في بلده ، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم ، واللحوق بكم فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ، ومانعوه ممن خالفه ، فأنتم وما تحمّلتم من ذلك ، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه ، وخاذلوه ـ بعد الخروج إليكم ـ فمن الآن فدعوه ؛ فإنه في عزّ ومنعة.
قال : فقلنا : قد سمعنا ما قلت : فتكلّم يا رسول الله ، وخذ لنفسك ولربك ما شئت.
قال : فتكلّم رسول الله ، فتلا القرآن ودعانا إلى الله ـ عزوجل ـ ورغّب في الإسلام ، ثم قال : أبايعكم على أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ـ.
فأخذ البراء بن معرور بيده ، ثم قال : والذي بعثك بالحق نبيّا ، لنمنعنّك مما نمنع منه أزرنا ، فبايعنا يا رسول الله ، فنحن أهل الحرب ، وأهل الحلقة ، ورثناها كابرا عن كابر ، قال : فاعترض القول ـ والبراء يكلّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ أبو الهيثم بن التّيّهان.
فقال : يا رسول الله إن بيننا وبين الناس حبالا ـ يعني العهود ـ وإنا قاطعوها ، فهل عسيت إن فعلنا ذلك ، ثم أظهرك الله ، أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟
فتبسّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم قال : «لا ، بل الأبد الأبد ، الدّم الدّم ، الهدم الهدم ، أنتم منّي وأنا منكم ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم» ثم قال صلىاللهعليهوسلم : «أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا ، كفلاء على قومهم بما فيهم ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم ، فأخرجوا تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الأوس.
قال عاصم بن عمرو بن قتادة : إن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاريّ : يا معشر الخزرج ، فهل تدرون علام تبايعون هذا الرجل إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود ، فإن كنتم ترون أنكم إذا أنهكت