هو أحد جزأي الإسناد ، فالضمير لا يعود إلا عليه ، وأما ذكر الحفرة ، فإنما جاءت على سبيل الإضافة إليها ، ألا ترى أنك إذا قلت : كان زيد غلام جعفر ، لم يكن جعفر محدّثا عنه ، وليس أحد جزأي الإسناد ، وكذا لو قلت : زيد ضرب غلام هند ، لم تحدّث عن هند بشيء ، وإنما ذكرت جعفرا وهندا ؛ تخصيصا للمحدّث عنه ، وأما ذكر : «النّار» فإنما ذكر لتخصيص الحفرة ، وليست ـ أيضا ـ أحد جزأي الإسناد ، وليست أيضا محدّثا عنها ، فالإنقاذ من الشفا أبلغ من الإنقاذ من الحفرة من النار ؛ لأن الإنقاذ منه يستلزم من الحفرة ومن النار ، والإنقاذ منهما لا يستلزم الإنقاذ من الشفا ، فعوده على الشفا هو الظاهر من حيث اللفظ ومن حيث المعنى».
قال الزجّاج : «وقوله : «منها» الكناية راجعة إلى النار ، لا إلى الشّفا ؛ لأنّ القصد الإنجاء من النار لا من شفا الحفرة».
وقال غيره : «الضمير عائد إلى الحفرة ؛ ولما أنقذهم من الحفرة فقد أنقذهم من شفا الحفرة ؛ لأن شفاها منها».
قال الواحديّ : على أنه يجوز أن يذكر المضاف إليه ، ثم تعود الكناية إلى المضاف إليه ـ دون المضاف ، كقول جرير : [الوافر]
١٥٦١ ـ أرى مرّ السّنين أخذن منّي |
|
كما أخذ السّرار من الهلال (١) |
كذلك قول العجاج : [الرجز]
١٥٦٢ ـ طول اللّيالي أسرعت في نقضي |
|
طوين طولي وطوين عرضي (٢) |
قال : وهذا إذا كان المضاف من جنس المضاف إليه ، فإن مرّ السنين هو المسنون ، وكذلك شفا الحفرة من الحفرة ، فذكّر الشّفا ، وعادت الكناية إلى الحفرة.
وهذان القولان نصّ في ردّ ما قاله أبو حيان ، إلا أن المعنى الذي ذكره أولى ؛ لأنه إذا أنقذهم من طرف الحفرة فهو أبلغ من إنقاذهم من الحفرة ، وما ذكره ـ أيضا ـ من الصناعة واضح.
قال بعضهم : «شفا الحفرة ، وشفتها : طرفها ، فجاز أن يخبر عنها بالتذكير والتأنيث».
والإنقاذ : التخليص والتنحية.
__________________
(١) تقدم برقم ١٥٦٠.
(٢) ينظر البيت في ملحقات ديوانه ص ٨٠ والكتاب ١ / ٢٦ والخصائص ٢ / ٤١٨ ومجاز القرآن ١ / ٩٩ و ٢ / ٨٣ وكتاب المعمرين ص ٨٧ والأشموني ١ / ٢٤٨ وجامع البيان ٧ / ٨٧ وأوضح المسالك ٣ / ١٠٣ والصاحبي ص ٤٢٣ والخزانة ٤ / ٢٢٤ والدر المصون ٢ / ١٨٠.