تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ،) ثم ثنّى بالولد الذّكر ؛ لأن حبّ الولد الذكر أكثر من حب الولد الأنثى ، واعلم أن لله تعالى ـ في إيجاد حبّ الزوجة والولد في قلب الإنسان ـ حكمة بالغة ؛ إذ لولا هذا الحبّ لما حصل التوالد والتناسل ، وهذه المحبة غريزة في جميع الحيوان ، والبنين : جمع ابن ، قال نوح : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) [هود : ٤٥] ويصغّر «ابن» على بنيّ ، قال لقمان : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ) [لقمان : ١٣] ، وقال نوح : (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا) [هود : ١٨٥].
قوله تعالى : (وَالْقَناطِيرِ) هي جمع قنطار ، وفي نونه قولان :
أحدهما : أنها أصلية ، وأن وزنه فعلال ، كحملاق ، وقرطاس.
والثاني : أنها زائدة ، وأن وزنه فنعال كفنعاس ، وهو الجمل الشديد ، واشتقاقه من قطر يقطر ـ إذا سال ؛ لأن الذهب والفضة يشبّهان بالماء في سرعة الانقلاب ، وكثرة التقلّب.
وقال الزّجّاج : هو مأخوذ من قنطرت الشيء ـ إذا عقدته وأحكمته ـ ومنه القنطرة ؛ لإحكام عقدها.
حكى أبو عبيدة عن العرب أنهم يقولون : القنطار وزن لا يحدّ.
قال ابن الخطيب : «وهذا هو الصحيح».
وقال الربيع بن أنس : القنطار : المال الكثير بعضه على بعض (١).
وقال القرطبي : «والعرب تقول قنطر الرجل إذا بلغ ماله أن يوزن بالقنطار».
وقال معاذ بن جبل ـ ورواه أبيّ بن كعب عن النبي صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «القنطار ألف ومئتا أوقية» (٢).
وقال ابن عباس والضحاك : ألف ومائتا مثقال (٣) ، وعنهما ـ في رواية أخرى ـ اثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار دية أحدكم ، وبه قال الحسن (٤).
وروى أبو هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «القنطار اثنا عشر ألف أوقية» (٥).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٤٩) عن الربيع وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٩).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٤٥) عن أبي بن كعب مرفوعا وأورده ابن كثير في «تفسيره» (٢ / ١١٠) وقال : وهذا حديث منكر والأقرب أن يكون موقوفا على أبي بن كعب كغيره من الصحابة.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٤٦) عن الضحاك وابن عباس.
وأخرجه البيهقي (٧ / ٢٣٣) عن ابن عباس أيضا.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٤٧) عن ابن عباس والضحاك والحسن.
(٥) أخرجه أحمد (٢ / ٣٦٣) وابن ماجه (٣٦٦٠) كتاب الأدب باب : بر الوالدين والدارمي (٢ / ٤٧٦) والبيهقي (٧ / ٢٣٣) وابن حبان (٦٦٣ ـ موارد) عن أبي هريرة مرفوعا.
وقال البوصيري : إسناده صحيح ورجاله ثقات.