فإن قيل : لم خصّ الرّجال بوصف الكثرة دون النساء؟ ففيه جوابان :
أحدهما : أنه حذف صفتهنّ لدلالة ما قبلها عليها تقديره : ونساء كثيرة.
والثاني : أنّ الرّجال لشهرتهم [وبروزهم](١) يناسبهم ذلك بخلاف النّساء فإنّ الأليق بهنّ الخمول والإخفاء.
قوله (تَسائَلُونَ) قرأ الكوفيون (٢) «تساءلون» بتخفيف السين على حذف إحدى التاءين تخفيفا ، والأصل : «تتساءلون» به ، وقد تقدّم الخلاف : هل المحذوف الأولى أو الثانية وقرأ الباقون بالتشديد على إدغام تاء التفاعل في السين ؛ لأنها مقاربتها في الهمس ، ولهذا تبدل من السين ، قالوا : «ست» والأصل «سدس» وقرأ (٣) عبد الله : «تسألون» من سأل الثلاثي ، وقرىء «تسلون» (٤) بنقل حركة الهمزة على السين ، و «تساءلون» على التفاعل فيه وجهان :
أحدهما : المشاركة (٥) في السؤال.
والثاني : أنه بمعنى فعل ، ويدلّ عليه قراءة عبد الله.
قال أبو البقاء (٦) : «ودخل حرف الجرّ في المفعول ؛ لأن المعنى : «تتحالفون» يعني أن الأصل تعدية «تسألون» إلى الضمير بنفسه ، فلما ضمّن معنى «تتحالفون» عدّي تعديته».
قوله : (وَالْأَرْحامَ) الجمهور نصبوا الميم ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه عطف على لفظ الجلالة ، أي : واتقوا الأرحام أي : لا تقطعوها ، وقدّر بعضهم مضافا أي : قطع الأرحام.
ويقال : إنّ هذا في الحقيقة من عطف الخاصّ على العام ، وذلك أن معنى اتقوا
__________________
ـ الأولى ، وهي حرف المضارعة.
قال سيبويه في الكتاب ٤ / ٤٧٦ : فإن التقت التاءان في تتكلمون وتتنزلون ، فأنت بالخيار ، إن شئت أثبتهما ، وإن شئت حذفت أحدهما. وتصديق ذلك قوله ـ عزوجل ـ (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ،)(تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) وإن شئت حذفت التاء الثانية أولى بالحذف ، لأنها هي التي تسكن وتدغم في قوله تعالى : (فَادَّارَأْتُمْ) و (ازَّيَّنَتْ) وهي التي يفعل بها ذلك في (يَذْكُرُونَ).
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : السبعة ٢٢٦ ، والحجة ٣ / ١١٨ ، ١١٩ ، وحجة القراءات ١٨٨ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٨٩ ، وإعراب القراءات ١ / ١٢٧ ، وشرح شعلة ٣٣١ ، والعنوان ٨٣ ، وإتحاف ١ / ٥٠١.
(٣) انظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤ ، والبحر المحيط ٣ / ١٦٥ ، والدر المصون ٢ / ٢٩٦.
(٤) انظر : البحر المحيط ٣ / ١٦٥ ، والدر المصون ٢ / ٢٩٦.
(٥) في ب : المشار إليه.
(٦) ينظر : إعراب القرآن ٢ / ١٨١ ، الدر المصون ٢ / ٢٩٦.