قال ابن عبّاس : «يوليها ظهره في الفراش ، ولا يكلّمها» (١).
وقال غيره : «يعتزل عنها إلى فراش آخر».
قال الشافعيّ : «ولا يزيد في هجره في الكلام على ثلاث ، فإذا هجرها في المضجع ، فإن (٢) كانت تبغضه ، وافقها ذلك الهجران ، فيكون ذلك دليلا على كمال النّشوز».
ومنهم من حمل الهجران في المضاجع على ترك المباشرة.
وقال القرطبي : وقيل : اهجروهنّ من الهجر ، وهو القبيح من الكلام ، أي : غلظوا عليهنّ في القول ، وضاجعوهن للجماع وغيره و [قال](٣) معناه سفيان [الثّوري](٤) ، وروي عن ابن عبّاس.
وقيل : شدّوهن [وثاقا](٥) في بيوتهن ، من قولهم : هجر البعير ، أي : ربطه بالهجار (٦) ، وهو حبل يشدّ به البعير ، وهذا اختيار الطّبري ، وقدح في سائر الأقوال ، وردّ عليه القاضي أبو بكر بن العربيّ وقال : «يا لها من هفوة عالم بالقرآن والسّنّة ، والّذي حمله على [هذا](٧) التأويل حديث غريب ، رواه ابن وهب عن مالك : «أنّ أسماء بنت أبي بكر الصّديق امرأة الزّبير بن العوّام كانت قد نشزت على زوجها فعقد شعر واحدة بالأخرى ثم ضربها» الحديث.
فرأى الرّبط والعقد ، مع احتمال اللّفظ ، مع فعل الزّبير ، فأقدم على هذا التّفسير».
قال القرطبيّ (٨) : وهذا الهجر غايته عند العلماء شهر ، كما فعل النّبيّ صلىاللهعليهوسلم حين أسرّ إلى حفصة حديثا ، فأفشته إلى عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
قوله : (فِي الْمَضاجِعِ) فيه وجهان :
أحدهما : أنّ «في» على بابها من الظرفيّة متعلّقة ب (اهْجُرُوهُنَ) أي : اتركوا مضاجعتهن ، أي : النّوم معهنّ دون كلامهنّ ومؤاكلتهنّ.
والثّاني : أنها للسّبب. قال أبو البقاء (٩) : (وَاهْجُرُوهُنَ) بسبب المضاجع ، كما تقول : في هذه الجناية عقوبة ، وجعل مكي (١٠) هذا الوجه متعيّنا ، ومنع الأول ، قال : ليس (فِي الْمَضاجِعِ) ظرفا للهجران ، وإنّما هو سبب لهجران التّخلّف ، ومعناه : فاهجروهنّ من أجل
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٣٠٢) عن ابن عباس.
(٢) في ب : فإذا.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في أ.
(٦) في أ : بالهجان.
(٧) سقط في ب.
(٨) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١١٣.
(٩) ينظر : الإملاء ١ / ١٧٩.
(١٠) ينظر : المشكل ١ / ١٨٩.