وأنكر أبو حاتم هذه القراءة عنه ، وقال : إنّما هي بالتاء ، وهو معذور ، لأنّ «انفعل» قاصر لا يتعدى ، فكيف يبنى منه اسم مفعول؟. وقرأ الأشهب (١) العقيلي «لوالوا» ، أي : لتتابعوا وأسرعوا وكذلك رواها ابن أبي عبيدة بن معاوية بن نوفل ، عن أبيه ، عن جده وكانت له صحبة من الموالاة. وهذا مما جاء فيه «فعّل» ، و «فاعل» بمعنى ، نحو : ضعّفته ، وضاعفته.
قال سعيد بن مسلم : أظنها «لوألوا» بهمزة مفتوحة بعد الواو ، من : «وأل» ، أي : التجأ وهذه القراءة نقلها الزمخشري عن أبيّ ، وفسّرها بما تقدم من الالتجاء.
و «الجموح» النّفور بإسراع ؛ ومنه : فرس جموح ، إذا لم يردّه لجام ؛ قال : [المتقارب]
٢٧٩٩ ـ سبوحا جموحا وإحضارها |
|
كمعمعة السّعف الموقد (٢) |
وقال آخر : [البسيط]
٢٨٠٠ ـ وقد جمحت جماحا في دمائهم |
|
حتّى رأيت ذوي أحسابهم جهزوا (٣) |
وقرأ أنس (٤) بن مالك ، والأعمش : يجمزون. قال ابن عطية (٥) يهرولون في مشيهم وقيل: «يجمزون ، ويجمحون ، ويشتدّون بمعنى».
وفي الحديث : فلمّا أذلقته الحجارة جمز (٦). وقال رؤبة : [الرجز]
٢٨٠١ ـ إمّا تريني اليوم أمّ حمز |
|
قاربت بين عنقي وجمزي (٧) |
ومنه «يعدو الجمزى» وهو أن يجمع رجليه معا ، ويهمز بنفسه ، هذا أصله في اللغة وقوله : «إليه» عاد الضمير على «الملجأ» أو على «المدّخل» ، لأنّ العطف ب «أو» ، ويجوز أن يعود على «المغارات» لتأويلها بمذكر. ومعنى الآية : أنهم لو يجدون مخلصا منكم أو مهربا لفارقوكم.
قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) الآية.
قرأ العامة «يلمزك» بكسر الميم ، من : لمزه يلمزه ، أي. عابه ، وأصله : الإشارة بالعين ونحوها.
__________________
(١) وقرأ بها جد أبي عبيدة بن قرمل.
ينظر : الكشاف ٢ / ٢٨١ ، المحرر الوجيز ٣ / ٤٦ ، البحر المحيط ٥ / ٥٧ ، الدر المصون ٣ / ٤٧٥.
(٢) البيت لامرىء القيس ينظر : ديوانه ١٨٧ ، واللسان (جمح) والبحر المحيط ٥ / ٣٧ ، الدر المصون ٣ / ٤٧٥.
(٣) ينظر : الطبري ١٤ / ٢٩٩ ، والبحر المحيط ٥ / ٣٧ ، الدر المصون ٣ / ٤٧٥.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٨١ ، المحرر الوجيز ٣ / ٤٦ ، البحر المحيط ٥ / ٥٧ ، الدر المصون ٣ / ٤٧٥.
(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٤٦.
(٦) هو حديث رجم ما عز وقد تقدم تخريجه.
(٧) تقدم.