أسرارهم ، والصيام المفروض من كتمان أسرارهم ، وحج البيت زيارة شيوخهم ، ويدا أبي لهب أبو بكر وعمر ، والبناء العظيم والإمام المبين علي بن أبي طالب ، فهم لا تحل ذبائحهم ولا يناكحونا ، وتجب مجاهدتهم ؛ لأنهم مرتدون ، قاله ابن تيمية ، وبالغ في إنكار تلك القراءة.
وهذا الوجه الذي ذكره هنا شرّ من ذلك ؛ لأنّه قلب النّفي إثباتا ، والإثبات نفيا ، وتجويزه يفتح باب ألّا يعتمد على القرآن لا في نفيه ، ولا في إثباته ، وحينئذ يبطل القرآن بالكلّيّة ، وهذا بعينه هو الجواب عن قوله المراد فيه الاستفهام ، بمعنى : الإنكار ، فإنّ تجويزه يوجب تجويز مثله في سائر المواضع ، فلعله ـ تعالى ـ إنما قال : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) [البقرة : ٤٣] على سبيل الإنكار والتعجّب ، ثم قال : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ).
قال مجاهد : أهلكها ، والطّمس : المسخ (١).
وقال أكثر المفسرين : مسخها الله وغيّرها عن هيئتها.
قال ابن عبّاس : بلغنا أنّ الدّراهم والدّنانير صارت حجارة منقوشة كهيئتها ، صحاحا وأنصافا ، وأثلاثا ، وجعل سكنهم حجارة (٢).
قال محمد بن كعب : «كان الرجل مع أهله في فراشه ، فصارا حجرين ، والمرأة قائمة تخبز فصارت حجرا» (٣) ودعا عمر بن عبد العزيز بخريطة فيها أشياء من بقايا أهل فرعون ، فأخرج منها البيضة منقوشة ، والجوزة مشقوقة وهي حجارة.
(وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) أي : أقسها واطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان.
قال الواحدي : «وهذا دليل على أنّ الله يفعل ذلك بمن يشاء ، ولو لا ذلك لما حسن من موسى هذا السّؤال».
قوله : (فَلا يُؤْمِنُوا) يحتمل النّصب والجزم ، فالنّصب من وجهين :
أحدهما : عطفه على «ليضلّوا».
والثاني : نصبه على جواب الدّعاء في قوله : «اطمس» ، والجزم على أنّ «لا» للدّعاء ، كقولك : لا تعذّبني يا ربّ ، وهو قريب من معنى : «ليضلّوا» في كونه دعاء ، هذا في جانب شبه النّهي ، وذلك في جانب شبه الأمر ، و (حَتَّى يَرَوُا) : غاية لنفي إيمانهم ، والأول قول الأخفش ، والثاني بدأ به الزمخشري ، والثالث : قول الكسائيّ ، والفرّاء ؛ وأنشد قول الشاعر : [الطويل]
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٦٠٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٦٧) وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٨ / ٢٣٩) عن قتادة.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٦٦) وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.