______________________________________________________
لا يوجب سقوط أمريهما معاً ، لعدم التدافع بين ذاتي الأمرين ، وانما التدافع بين اطلاقيهما فيسقطان معا ، وتبقى ذاتا الأمرين مقيدتين ، فيجمع العقل بينهما بتقييد كل من الأمرين بعدم امتثال الآخر ، ولازم ذلك سقوط الأمرين عند فعل أحد الضدين. أما سقوط أمر الضد المأتي به فبالامتثال وأما سقوط أمر الآخر فبانتفاء شرطه ، وثبوت الأمرين معا بترك الضدين معاً ، لحصول شرط كل من الأمرين ، ولازم ذلك استحقاق عقابين عليهما معاً.
وأما الكلام في الأمر الخامس : فهو أن الملاك [ تارة ] : يراد به المصلحة الموجبة لترجح الوجود على العدم ، أو المفسدة الموجبة لترجيح العدم على الوجود. [ وأخرى ] : يراد به نفس الترجح النفساني الموجب للميل الى الوجود أو النفرة عنه ، وان لم يكن هناك ارادة ولا كراهة ، إما لعدم الالتفات إلى الشيء ، أو لوجود المانع عن تعلقهما به. فان كان المراد به الأول فالظاهر أنه لا يوجب عبادية العبادة فلو جيء بالعبادة لأجل المصلحة ، لم تكن عبادة للمولى ، ولا إطاعة له ولا منشأ لاستحقاق الثواب ، كما سيجيء ـ إن شاء الله تعالى ـ في مباحث نية الوضوء وان كان المراد به الثاني ، فالظاهر صحة العبادة لو كان هو الداعي إلى فعلها. بل الظاهر أن عبادية العبادات كلية إنما تكون لذلك ، وقصد الأمر إنما يصحح العبادة بلحاظ طريقيته الى الملاك المذكور ، لا من حيث هو هو. ولذا لو علم بخلو الأمر عن الملاك لم يكن أمرا حقيقياً ، بل كان صورياً ، ولم تجب موافقته. ولو علم بوجود الملاك بالمعنى المذكور وجب الفعل وان علم بعدم الأمر لمانع منه. فلو علم العبد أن ولد المولى قد غرق وجب إنقاذه وان لم يعلم المولى بذلك ، أو علم ولم يأمره بإنقاذه لجهله بوجود من يقدر على إنقاذه. فهذا الدوران دليل على كون المعيار في صحة العبادات هو الملاك ـ بالمعنى المذكور ـ من دون دخل فيها للأمر. وتحقيق هذه المباحث موكول الى مبحث الضد. وقد