وقد قرّره شيخنا المرتضى رحمهالله على هذه المناقشة ، وادّعى ظهور الرواية ـ بقرينة التعليل ـ في الاستحباب ، ثمّ قال تعريضا على من أنكره بل نفى إشعارها بذلك : ومنع إشعارها بالاستحباب خلاف الإنصاف ممّن له ذوق سليم (١). انتهى.
وفيه نظر ، فإنّ هذا النحو من التعليلات المشتملة على ذكر فائدة العمل إنّما تصلح قرينة للاستحباب فيما إذا كانت الفائدة المذكورة عائدة إلى نفس المكلّف ، وأمّا إذا كانت عائدة إلى غيره ـ كما فيما نحن فيه ـ فيشكل ذلك.
وسرّه أنّ تعليل الطلب بفائدة عائدة إلى المكلّف يوهن ظهوره في كونه مولويّا ، بل يجعله ظاهرا في كونه إرشاديّا محضا ، ولذا ربما يتأمّل في دلالته على الاستحباب أيضا إذا كانت الفائدة المعلّل بها دنيويّة محضة ، كما لو قال : «ادخل الحمّام غبّا ، فإنّه يكثر اللحم» وأمّا في مثل المقام فإنّما يفهم الاستحباب من معلوميّة كون المرشد إليه راجحا ومحبوبا عند الله ، كما لو بيّنه بجملة خبريّة ، نظير ما لو قال : «أذّن وأقم قبل صلاتك ، فإنّ من أذّن وأقام صلّى خلفه صفّان من الملائكة» فإنّه لا يفهم منه إلّا ما يفهم من قوله : «من صلّى بأذان وإقامة يصلّي خلفه صفّان من الملائكة» فكما يفهم الاستحباب من الثاني مع عدم اشتماله على الطلب ، كذلك يفهم من الأوّل ، فيكون الأمر بالفعل نظير أمر الطبيب للإرشاد إلى ما هو الأصلح بحال المكلّف.
وأمّا إذا كانت الفائدة عائدة إلى غيره ، فلا يوهن ظهوره في كونه مولويّا ، بل يؤكّده ، كما لا يخفى وجهه.
وحينئذ يشكل ترخيص العقل جواز المخالفة ما لم يستظهر من الدليل
__________________
(١) كتاب الطهارة : ٢٧٨.