تعذّر بعض سببا لارتفاع التكليف عن الآخر ، ففيه ما لا يخفى ، ضرورة عدم كونهما كذلك ، وإنّما المأمور به هو الغسل بماء فيه شيء من السدر ، ولا يتفاوت الحال في ذلك بين أن يتأدّى المقصود بهذه العبارة أو بقوله : اغسله بماء السدر ، أو : اغسله بماء وسدر ، فإنّ المراد بجميع هذه العبائر ليس إلّا إيجاب إيجاد غسل واحد بماء وسدر ، فإذا فقد أحد الجزئين ، يمتنع حصول المأمور به في الخارج ، فالقول بوجوب الغسل بالماء القراح بدلا من ماء السدر والكافور يحتاج إلى دليل آخر غير هذه الأدلّة التي لا يفهم منها إلّا وجوب الغسل المقيّد بكونه بماء السدر.
وعمدة ما يصحّ الاستناد إليه إنّما هي قاعدة الميسور ، لكنّها أيضا غير سالمة من الخدشة ، إذ قد عرفت مرارا أنّه يشترط في إجراء القاعدة كون المأتيّ به من مراتب المأمور به بأن يكون عين تلك الماهيّة بنحو من المسامحة العرفيّة بأن لا يكون الفائت من الأركان التي يتقوّم بها الماهيّة عند العرف. ولا يبعد دعوى أنّ الخليطين بنظر العرف من الأركان ، بل لا يبعد دعوى قضائهم ـ ولو بواسطة المناسبات المغروسة في أذهانهم ـ كون استعمالهما متأصّلا بالطلب ، ولذا لم نستبعد شهادتهم بوجوب طرح الخليطين في الماء الذي لم يكف إلّا لغسل واحد.
فالإنصاف أنّ القول الأوّل أوفق بالقواعد (و) لكن مع ذلك (فيه تردّد) ولو لأجل ما ورد في حكم المحرم (١) من أنّه كالمحلّ في الغسل وغيره إلّا أنّه لا يقربه الكافور ، فإنّ مقتضاه وجوب تغسيل المحرم بالماء القراح بدلا من ماء الكافور ، فلا يبعد دعوى القطع بعدم الفرق بين التعذّر الشرعي والعقلي ، ولذا
__________________
(١) راجع : التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٣٨ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ٤.