نعم ، إطلاق الأمر به ولو بالنسبة إلى من هو مبتلى بمعاشرة العامّة ينافي حرمته ، إذ الغالب إمكان التفصّي عن ارتكاب مثل هذا المحرّم ، فلا يحسن الأمر به على الإطلاق إلّا تقيّة بأن كانت التقيّة سببا لصدور الأمر لا لمطلوبيّة المأمور به ، وهو خلاف الفرض.
ولعلّ ما ذكرنا من التوجيه أقرب من حمل الأخبار على التقيّة من حيث الصدور ، وبه يتّجه جعلها قرينة لحمل الأخبار الناهية على الكراهة بالتقريب المتقدّم ، وإلّا فيشكل رفع اليد عن ظهورها في الحرمة.
اللهمّ إلّا أن يناقش فيها ـ لضعف السند أو وهنها ـ : بمخالفتها لظاهر الأصحاب أو صريحهم في عدم الحرمة.
لكن مع ذلك كلّه لا ريب في أنّ الترك أحوط ، لانتفاء احتمال الوجوب ، كما ستعرفه ، مضافا إلى عدم الخلاف فيه ظاهرا ، والله العالم.
ثمّ إنّ اختلاف الأخبار في تعيين مواضع الحنوط لا يوهن ظهورها في وجوب أصل الحنوط في الجملة ، بل جميعها ظاهرة في اعتبار أصل الحنوط ، وكونه كسائر التجهيزات من الغسل والكفن والدفن من الأمور المسلّمة المفروغ منها.
فما عن المحقّق الأردبيلي ـ من التأمّل في وجوبه (١) لذلك ، كما عن ظاهر المراسم القول باستحبابه (٢) ـ ضعيف ، إذ ليس اختلاف الأخبار في المقام إلّا كاختلافها في كيفيّة الغسل والتكفين ، وقد أشرنا في باب الغسل إلى أنّ أجمل
__________________
(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٠١ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٩٣.
(٢) حكاه عنه صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، وانظر : المراسم : ٤٩.