وقد يقال في توجيه جميع ما ذكر : بأنّ مفادها نفي البأس أو استحباب النزول في القبر ، كما هو الشأن في حقّ الوليّ ، وهو أعمّ من إنزاله فيه ، والذي يكره هو الثاني دون الأوّل.
وهو لا يخلو عن بعد ، لكن قد يقرّبه معهوديّة جميع ما ذكرناه لدى الأصحاب ، وعدم اعتنائهم بها وإفتاؤهم بالكراهة ، فإنّه يورث قوّة الظنّ بأنّ التجنّب عنه هو الراجح شرعا.
ولعلّ منشأه كونه مورثا لقساوة القلب ، كما عللها بها بعض (١).
ويؤيّده : رواية عبيد بن زرارة ، الدالّة على كراهة إهالة التراب على قبر ذي رحم ، قال : مات لبعض أصحاب أبي عبد الله عليهالسلام ولد ، فحضر أبو عبد الله عليهالسلام ، فلمّا الحد تقدّم أبوه فطرح عليه التراب ، فأخذ أبو عبد الله عليهالسلام بكفّيه ، وقال :«لا تطرح عليه التراب ، ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله نهى أن يطرح الوالد أو ذو رحم على ميّته التراب» فقلنا : يا ابن رسول الله أتنهانا عن هذا وحده؟ فقال : «أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي أرحامكم ، فإنّ ذلك يورث القسوة في القلب ، ومن قسا قلبه بعد من ربّه» (٢).
فالأولى والأوفق بقاعدة التسامح إنّما هو تجنّب الأرحام من مباشرة إنزاله في القبر إلّا في المرأة ، فإنّ الأفضل أن لا يتولّاه إلّا زوجها أو المحارم.
كما يدلّ عليه رواية السكوني عن الصادق عليهالسلام قال : «قال أمير المؤمنين عليهالسلام :
__________________
(١) المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٢٩٧.
(٢) الكافي ٣ : ١٩٩ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣١٩ / ٩٢٨ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الدفن ، الحديث ١.