وفيه : أنّ فرض احتمال وجوبها على بعض واستحبابها على آخرين وسقوط الواجب بفعلهم ينافي العلم بأنّ مقصود الشارع وجود الفعل لا عن مباشر معيّن ، كما ادّعاه المستدلّ ، ضرورة استقلال العقل بوجوب إيجاد ما أدرك محبوبيّة حصوله في الخارج شرعا ، وعدم رضا الشارع بعدمه من دون أن يكون لآحاد المكلّفين بخصوصيّاتها الشخصيّة مدخليّة في حسنه ومطلوبيّته.
ألا ترى استقلال العقل بوجوب حفظ النبي أو الوصي أو غيره ممّا علم مطلوبيّة حصوله في الخارج من حيث هو على كلّ مكلّف ، ولا ينافيه سقوط التكليف بحصول المقصود بفعل غير المكلّف ، بل هذا هو الشأن في سائر الواجبات عينيّة كانت أم كفائيّة ، لاستحالة بقاء الطلب بعد حصول متعلّقه في الخارج ، كما عرفت تحقيقه في مبحث النيّة في الوضوء ، ولا يمنع هذا استقلال العقل بوجوب مثل الفرض كفاية على كلّ أحد.
لا يقال : إنّا نرى بالوجدان أنّه ربما يريد المولى شيئا ولا يتعلّق غرضه إلّا بحصوله في الخارج من حيث هو ومع ذلك لا يكلّف بإيجاده إلّا بعض عبيده إمّا لكونه أحد الأفراد أو لخصوصيّة فيه مقتضية لطلب الفعل منه دون غيره ، كانحطاط الرتبة ونحوه من الخصوصيّات الموجبة لتوجيه الطلب إليه بالخصوص.
لأنّا نقول : أمّا الفرض الأوّل فلا يخرجه من كونه واجبا كفائيّا ، بل يجب على سائر العبيد أيضا إيجاده كفاية إذا علموا قصد المولى وأنّ توجيه طلبه إلى بعض لكونه أحد الأفراد ، لا لخصوصيّة فيه ، فلو عصى هذا البعض أو تركه نسيانا مثلا ، ليس لغيره تركه معتذرا بعدم توجّه الخطاب إليه بعد علمه بالواقع ، إذ لا يدور حسن العقاب مدار توجيه الخطاب اللفظي كما تقرّر في محلّه.