طول المدّة ونحوه لا إلى أمر آخر مسبّب عن فعل المكلّفين ، فلا محذور فيه ، عدا ما يتوهّم من أنّ إبقاءه بلا دفن في طول هذه المدّة ـ التي يظهر فيها ريحه وتتفرّق أعضاؤه ـ هتك لحرمته ، وأنّ الأصل في حكمة الدفن إنّما هو ستر مثل هذه الأمور ، وأنّ المتتبّع في كلمات الأصحاب لا يكاد يخفى عليه ظهور اتّفاقهم في تقييد إطلاقات أدلّة تجهيزات الميّت ـ من غسله بالسدر والكافور وغيره من الأحكام الواجبة ـ بما إذا لم يؤدّ إلى فساد الميّت بظهور رائحته ونحوها ممّا يوجب انتهاك حرمته ، بل لم يسوّغوا على الظاهر تعطيله والانتظار به إلى هذا الحدّ للكفن والغسل والكافور ونحوها ، فأوجبوا دفنه بدونها ، فكيف يجوز ذلك لأجل الدفن في المشاهد المشرّفة التي غايته الاستحباب!؟
وفي الجميع نظر.
أمّا دعوى كونه هتكا لحرمته ، ومنافاته لقوله عليهالسلام : «حرمة المسلم ميّتا كحرمته حيّا» (١) ففيها : أنّ تعطيله لا بعنوان المهانة والتحقير ، بل لأجل التوصّل إلى دفنه في مكان مناسب بحاله فضلا عن دفنه في المشاهد المشرّفة لا يعدّ بنظر العرف هتكا لحرمته ، بل هو من أعظم أنحاء احترام الميّت ، خصوصا إذا منع ريحه من الانتشار بوضعه في صندوق ونحوه على وجه يكتم ريحه ، بل ربما يكون ترك النقل في مثل هذه الأزمنة ـ التي تعارف فيها النقل من البلاد النائية ـ توهينا بالميّت وتحقيرا له بنظر العرف.
وأمّا دعوى أنّ الأصل في حكمة الدفن ستر مثل هذه الأمور التي تظهر بالتعطيل ، وعدم تأذّي المسلمين بريحه ونحو ذلك ، فيدفعها : أنّ مثل هذه
__________________
(١) التهذيب ١ : ٤١٩ / ١٣٢٤ ، و ٤٦٥ / ١٥٢٢ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب الدفن ، الحديث ١.