يعني : أنه من باب إيقاع الظاهر موقع المضمر ، ويزيده ـ هنا ـ حسنا أنه في موضع تعظيم وتفخيم.
الخامس : أن تكون على حذف حرف الجر معمولة للفظ «الحكيم» ، كأنه قيل : الحكيم بأن ، أي : الحاكم بأن ف «حكيم» مثال مبالغة ، محوّل من فاعل ، فهو كالعليم والخبير والبصير ، أي : المبالغ في هذه الأوصاف ، وإنما عدل عن لفظ «حاكم» إلى «حكيم» ـ مع زيادة المبالغة ـ ؛ لموافقة «العزيز» ، ومعنى المبالغة : تكرار حكمه ـ بالنسبة إلى الشرائع ـ أن الدين عند الله الإسلام ؛ إذ حكم في كلّ شريعة بذلك ، قاله أبو حيّان ، ثم قال : فإن قلت : لم حملت «الحكيم» على أنه محوّل من «فاعل» إلى فعيل ؛ للمبالغة ، وهلّا جعلته «فعيلا» ، بمعنى «مفعل» فيكون معناه «المحكم» كما قالوا في «أليم» : إنه بمعنى «مؤلم» وفي «سميع» من قول الشاعر : [الوافر]
١٣٧٣ ـ أمن ريحانة الدّاعي السّميع |
|
.......... (١) |
أي : المسمع؟
فالجواب : أنا لا نسلم أن «فعيلا» يأتي بمعنى «مفعل» ، وقد يؤول «أليم» و «سميع» على غير «مفعل» ، ولئن سلمنا ذلك ، فهو من الندور والشذوذ ، بحيث لا ينقاس ، [وأما](٢) «فعيل» محوّل من «فاعل» ؛ للمبالغة فهو منقاس ؛ كثير جدا ، خارج عن الحصر ، كعليم ، وسميع ، وقدير ، وخبير ، وحفيظ إلى ألفاظ لا تحصى كثرة ، وأيضا فإن العربيّ القحّ ، الباقي على سجيته لم يفهم من «حكيم» إلا أنه محوّل من «فاعل» ؛ للمبالغة ، ألا ترى أنه لما سمع قارئا يقرأ : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ) والله غفور رحيم أنكر أن تكون فاصلة هذا التركيب السابق (والله غفور رحيم) ، فقيل له : التلاوة : (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ،) فقال : هكذا يكون ، عزّ فحكم فقطع ، ففهم من «حكيم» أنه محوّل ـ للمبالغة ـ من «حاكم» ، وفهم هذا العربيّ حجّة قاطعة بما قلناه ، وهذا تخريج سهل ، سائغ جدا ، يزيل تلك التكلفات والتركيبات التي ينزّه كتاب الله عنها ، وأما على قراءة ابن عباس فكذلك نقول ، ولا نجعل (إِنَّ الدِّينَ) معمولا ل «شهد» ـ كما فهموا ـ وأن (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) اعتراض ـ يعني بين الحال وصاحبها ، وبين معموله ـ بل نقول : معمول «شهد» هو «إنّه» ـ بالكسر ـ على تخريج من خرج أن «شهد» ـ لما كان بمعنى القول ـ كسر ما بعده ؛ إجراء له مجرى القول.
أو نقول : إنه معموله ، وعلقت ، ولم تدخل اللام في الخبر ؛ لأنه منفي ، بخلاف ما لو كان مثبتا فإنك تقول : شهدت إنّ زيدا لمنطلق ، فتعلق ب «إنّ» مع وجود اللام ؛ لأنه لو لم تكن اللام لفتحت «إنّ» ، فقلت : شهدت أنّ زيدا منطلق ، فمن قرأ بفتح «أنّه» ، فإنه لم ينو
__________________
(١) تقدم برقم ٧٥٣.
(٢) في أ : بخلاف.