الثاني : أنه مرفوع بالابتداء ، والخبر محذوف ـ كما تقدم.
الثالث : أنه منصوب على المعية ، والواو بمعنى «مع» أي : أسلمت وجهي لله مع من اتبعني ؛ قاله الزمخشريّ.
وقال أبو حيّان : «ومن الجهة التي امتنع عطف «من» على الضمير ـ إذا حمل الكلام على ظاهره دون تأويل ـ يمتنع كون «من» منصوبا على أنه مفعول معه ؛ لأنك إذا قلت : أكلت رغيفا وعمرو أي مع عمرو ـ دل ذلك على أنه مشارك لك في أكل الرغيف ، وقد أجاز الزمخشريّ هذا الوجه ، ـ وهو لا يجوز ـ لما ذكرنا ـ على كل حال ؛ لأنه لا يجوز حذف المفعول مع كون الواو واو «مع» ألبتة».
قال شهاب الدين : «فهم المعنى ، وعدم الإلباس يسوّغ ما ذكره الزمخشريّ ، وأي مانع من أن المعنى : فقل : أسلمت وجهي لله مصاحبا لمن أسلم وجهه لله أيضا ، وهذا معنى صحيح مع القول بالمعية».
الرابع : أن محل «من» الخفض ، نسقا على اسم «الله» ، وهذا الإعراب ـ وإن كان ظاهره مشكلا ـ قد يؤول على معنى : جعلت مقصدي لله بالإيمان به والطاعة له ، ولمن اتبعني بالحفظ له.
وقد أثبت الياء في «من اتّبعني» نافع (١) ، وحذفها أبو عمرو وخلاد ـ وقفا ـ والباقون حذفوها فيهما ؛ موافقة للرسم ، وحسن ذلك أيضا كونها فاصلة ورأس آية ، نحو (أَكْرَمَنِ) [الفجر : ١٥] و (أَهانَنِ) [الفجر : ١٦] وعليه قول الأعشى : [المتقارب]
١٣٧٤ ـ وهل يمنعنّي ارتيادي البلا |
|
د من حذر الموت أن يأتين (٢) |
وقول الأعشى ـ أيضا ـ : [المتقارب]
١٣٧٥ ـ ومن شانىء كاسف باله |
|
إذا ما انتسبت له أنكرن (٣) |
قال بعضهم : حذف هذه الياء مع نون الوقاية ـ خاصّة ـ فإن لم تكن نون فالكثير إثباتها.
قوله : (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعني اليهود والنصارى ، والمراد بالأميّيّن : مشركو
__________________
(١) انظر : حجة القراءات ١٥٨ ، والكشف ١ / ٣٣٢ ، وإتحاف ١ / ٤٧٣ ، والبحر المحيط ٢ / ٤٢٨ ، والدر المصون ٢ / ٥٠.
(٢) ينظر ديوانه ص ٦٥ ، ٦٩ ، والكتاب ٤ / ٩٨٧ والدرر ٥ / ١٥١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٤٦ ، وشرح المفصل ٩ / ٤٠ ، ٨٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٢٤ ، والمحتسب ١ / ٣٤٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٩٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٨ ، والدر المصون ٢ / ٥٠.
(٣) ينظر ديوانه ص ٦٥ ، ٦٩ ، والكتاب ٤ / ١٨٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٤٧ ، وشرح المفصل ٩ / ٨٣ ، والدر المصون ٢ / ٥١.