ذكر ، ونظير تقدير المضاف هنا ـ قوله : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ،) أي : من أشياعي وأتباعي ، وكذا قوله : (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) [البقرة : ٢٤٩] أي : من أشياعي وقول العرب : أنت مني فرسخين ، أي : من أشياعي ما سرنا فرسخين ، ويجوز أن يكون «من الله» هو خبر «ليس» و «في شيء» يكون حالا من الضمير في «ليس» ـ كما ذهب إليه ابن عطية تصريحا ، وغيره إيماء ، وتقدم الاعتراض عليهما والجواب».
قوله : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا) هذا استثناء مفرّغ من المفعول من أجله ، والعامل فيه (لا يَتَّخِذِ) أي : لا يتخذ المؤمن الكافر وليّا لشيء من الأشياء إلا للتقية ظاهرا ، أي : يكون مواليه في الظاهر ، ومعاديه في الباطن ، وعلى هذا فقوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) وجوابه معترض بين العلة ومعلولها وفي قوله : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا) التفات من غيبة إلى خطاب ، ولو جرى على سنن الكلام الأول لجاء الكلام غيبة ، وذكروا للالتفات ـ هنا ـ معنى حسنا ، وذلك أن موالاة الكفار لما كانت مستقبحة لم يواجه الله ـ تعالى ـ عباده بخطاب النهي ، بل جاء به في كلام أسند الفعل المنهي عنه لغيب ، ولما كانت المجاملة (١) ـ في الظاهر ـ والمحاسنة (٢) جائزة لعذر ـ وهو اتقاء شرهم ـ حسن الإقبال إليهم ، وخطابهم برفع الحرج عنهم في ذلك.
قوله : (تُقاةً) في نصبها ثلاثة أوجه ، وذلك مبنيّ على تفسير «تقاة» ما هي؟
أحدها : أنها منصوبة على المصدر ، والتقدير : تتقوا منهم اتّقاء ، ف «تقاة» واقعة موقع الاتقاء ، والعرب تأتي بالمصادر نائبة عن بعضها ، والأصل : أن تتقوا اتقاء ـ نحو : تقتدر اقتدارا ـ ولكنهم أتوا بالمصدر على حذف الزوائد ، كقوله : (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] والأصل إنباتا.
ومثله قول الشاعر : [الوافر]
١٣٩٣ ـ ............ |
|
وبعد عطائك المائة الرّتاعا (٣) |
أي : اعطائك ، ومن ذلك ـ أيضا ـ قوله : [الوافر]
١٣٩٤ ـ ............ |
|
وليس بأن تتبّعه اتّباعا (٤) |
__________________
(١) في ب : المسامحة.
(٢) في ب : المهادنة.
(٣) تقدم برقم ٣٩٣.
(٤) عجز بيت للقطامي وصدره :
وخير الأمر ما استقبلت منه
ينظر ديوانه (٤٠) والكتاب ٤ / ٨٢ والخصائص ٢ / ٣٠٩ وابن يعيش ١ / ١١١ وأمالي الشجري ٢ / ١٤١ والخزانة ١ / ٣٩٢ والمقتضب ٣ / ٢٠٥ وديوان الحماسة ١ / ١٣٥ والبيان ٢ / ٤٧٠ وإعراب القرآن للنحاس ١ / ٣٧١ والكشاف ١ / ٤٢٧ والدر المصون ٢ / ٦٠.