الثالث : أنها منصوبة على الحال ، وصاحب الحال فاعل «تتّقوا» وعلى هذا تكون حالا مؤكدة لأن معناه مفهوم من عاملها ، كقوله : (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [مريم : ٣٣] ، وقوله : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة : ٦٠] وهو ـ على هذا ـ جمع فاعل ، ـ وإن لم يلفظ ب «فاعل» من هذه المادة ـ فيكون فاعلا وفعلة ، نحو : رام ورماة ، وغاز وغزاة ، لأن «فعلة» يطّرد جمعا ل «فاعل» الوصف ، المعتل اللام.
وقيل : بل لعله جمع ل «فعيل» أجاز ذلك كلّه أبو علي الفارسي.
قال شهاب الدين : «جمع فعيل على «فعلة» لا يجوز ، فإن «فعيلا» الوصف المعتل اللام يجمع على «أفعلاء» نحو : غنيّ وأغنياء ، وتقيّ وأتقياء ، وصفيّ وأصفياء.
فإن قيل : قد جاء «فعيل» الوصف مجموعا على «فعلة» قالوا : كميّ وكماة.
فالجواب : أنه من النادر ، بحيث لا يقاس عليه».
وقرأ ابن عباس ومجاهد ، وأبو رجاء وقتادة وأبو حيوة ويعقوب وسهل وعاصم (١) ـ في رواية المعتل عينه ـ تتقوا منهم تقيّة ـ بوزن مطيّة ـ وهي مصدر ـ أيضا ـ بمعنى تقاة ، يقال : اتّقى يتقي اتقاء وتقوى وتقاة وتقيّة وتقى ، فيجيء مصدر «افتعل» من هذه المادة على الافتعال ، وعلى ما ذكر معه من هذه الأوزان ، ويقال ـ أيضا ـ : تقيت أتقي ـ ثلاثيا ـ تقيّة وتقوى وتقاة وتقى ، والياء في جميع هذه الألفاظ بدل من الواو لما عرفته من الاشتقاق.
وأمال الأخوان «تقاة» (٢) هنا ؛ لأن ألفها من قلبة عن ياء ، ولم يؤثّر حرف الاستعلاء في منع الإمالة ؛ لأن السبب غير ظاهر ، ألا ترى أن سبب الياء الإمالة المقدرة ـ بخلاف غالب ، وطالب ، وقادم فإن حرف الاستعلاء ـ هنا ـ مؤثّر ؛ لكن سبب الإمالة ظاهر ، وهو الكسرة ، وعلى هذا يقال : كيف يؤثر مع السبب الظاهر ، ولم يؤثر مع المقدّر وكان العكس أولى.
والجواب : أن الكسرة سبب منفصل عن الحرف الممال ـ ليس موجودا فيه ـ بخلاف الألف المنقلبة عن ياء ، فإنها ـ نفسها ـ مقتضية للإمالة ، فلذلك لم يقاومها حرف الاستعلاء.
وأمال الكسائيّ (٣) ـ وحده ـ (حَقَّ تُقاتِهِ) [آل عمران : ١٥٢] فخرج حمزة عن
__________________
(١) ينظر : القراءة السابقة.
(٢) يعني حمزة والكسائي.
انظر : السبعة ٢٠٤ ، والحجة ٢ / ٢٧ ، وحجة القراءات ١٥٩ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٥١ ، وإعراب القراءات ١ / ١١٠ ـ ١١١ ، والعنوان ٧٩.
(٣) انظر : السبعة ٢٠٤ ، والحجة ٢ / ٢٧ ، وحجة القراءات ١٦٠ ، وإعراب القراءات ١ / ١٠٠.