الغير كالقتل ، والزنا ، وغصب الأموال ، والشهادة بالزور ، وقذف المحصنات ، وإطلاع الكفار على عورات المسلمين ، فلا تجوز ألبتة.
ومنها : أنها تحل مع الكفار الغالبين ، وقال بعض العلماء : إنها تحل مع المسلمين ـ إذا شاكلت حالهم حال المشركين ؛ محاماة على النفس ، وهل هي جائزة لصون المال؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز ؛ لقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «حرمة مال المسلم كحرمة دمه» ، وقوله صلىاللهعليهوسلم : «من قتل دون ماله فهو شهيد» (١) ، ولأن الحاجة إلى المال شديدة ، والماء إذا بيع بالغبن سقط فرض الوضوء ، وجاز الاقتصار على التيمم ؛ دفعا لذلك القدر من نقصان المال ، فهاهنا أولى.
فصل
قال معاذ بن جبل ومجاهد : كانت التّقيّة في أول الإسلام ـ قبل استحكام الدين ، وقوة المسلمين ـ أما اليوم فلا ؛ لأن الله أعزّ الإسلام ، فلا ينبغي لأهل الإسلام أن يتقوا من عدوهم ، وروي عن الحسن أنه قال : التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة (٢).
قال ابن الخطيب : «وهذا القول أولى ؛ لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان».
وقال يحيى البكاليّ : قلت لسعيد بن جبير ـ في أيام الحجاج ـ : إن الحسن كان يقول : لكم التقية باللسان ، والقلب مطمئن ، فقال سعيد بن جبير : ليس في الإسلام تقيّة ، إنما التّقيّة لأهل الحرب.
قوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ، «نفسه» مفعول ثان ل «يحذّر» ؛ لأنه في الأصل متعدّ لواحد ، فازداد بالتضعيف آخر ، وقدّر بعضهم حذف مضاف ـ أي : عقاب نفسه ـ وصرح بعضهم بعدم الاحتياج إليه ، كذا نقله أبو البقاء عنهم.
قال الزّجّاج : «أي : ويحذركم الله إياه ، ثم استغنوا عن ذلك بذا ، وصار المستعمل ، قال تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) [المائدة : ١١٦] فمعناه : تعلم ما عندي ، وما في حقيقتي ، ولا أعلم ما عندك ولا ما في حقيقتك».
قال شهاب الدين (٣) : «وليس بشيء ؛ إذ لا بد من تقدير هذا المضاف ، ألا ترى إلى
__________________
(١) أخرجه البخاري ٥ / ١٤٧ في المظالم ، باب من قاتل دون ماله (٢٤٨٠) ومسلم ١ / ١٢٤ ـ ١٢٥ في الإيمان ، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره (٢٢٦ ـ ١٤١) من حديث عبد الله بن عمرو.
وأخرجه مسلم في المصدر السابق (٢٢٥ ـ ١٤٠) من حديث أبي هريرة. وأخرجه البخاري في المصدر السابق (٢٤٥٢) من حديث سعيد بن زيد.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٩ وعزاه لعبد بن حميد عن الحسن.
(٣) ينظر : الدر المصون ٢ / ٦٣.