أما الملائكة فقد روي أنهم خلقوا من الريح ، ولهذا قدروا على الطيران ، وعلى حمل العرش ، وسمّوا روحانيين.
وروي أنهم خلقوا من النور ، ولهذا صفت وأخلصت لله ـ تعالى ـ ويمكن الجمع بين الروايتين بأن نقول : أبدانهم من الريح ، وأرواحهم من النور وهؤلاء سكان عالم السموات.
أما الشياطين فهم كفرة ، أما إبليس فكفره ظاهر ؛ لقوله تعالى : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) [البقرة : ٢٤]. وأما سائر الشياطين فكفرة ؛ لقوله تعالى : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام : ١٢١].
ومن خواص الشياطين أنهم أعداء للبشر ، قال تعالى : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) [الكهف : ٥٠] وقال : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) [الأنعام : ١١٢].
وهم مخلوقون من النار ؛ لقوله تعالى ـ حكاية عن إبليس ـ : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ) [الأعراف : ١٢].
وأما الجن فمنهم كافر ، ومنهم مؤمن ، قال تعالى : (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) [الجن : ١٤].
وأما الإنس فوالدهم الأول آدم ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران : ٥٩] وقوله : (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) [النساء : ١٠].
واتفق العقلاء على أن البشر أفضل من الجنّ والشياطين ، واختلفوا هل البشر أفضل أم الملك؟ كما قدمناه في البقرة ، واستدل القائلون بأن البشر أفضل بهذه الآية ؛ لأن الاصطفاء يدل على مزيد الكرامة ، وعلوّ الدرجة ، فكما بيّن ـ تعالى ـ أنه اصطفى آدم وأولاده من الأنبياء على كل العالمين ، وجب أن يكونوا أفضل من الملائكة ؛ لأنهم من العالمين.
فإن قيل : إن حملنا هذه الآية على تفضيل المذكورين فيها على كل العالمين أدى إلى التناقض ؛ لأن الجمع الكثير إذا وصفوا بأن كل واحد منهم أفضل من كل العالمين ، يلزم كون كل واحد منهم أفضل من الآخر وذلك محال ، ولو حملناه على كونه أفضل عالمي بلدته ، أو عالمي زمانه ، أو عالمي جنسه لم يلزم التناقض ، فوجب حمله على هذا المعنى ، دفعا للتناقض وأيضا قال تعالى ـ في صفة بني إسرائيل ـ (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) [البقرة : ٤٧] ولا يلزم كونهم أفضل من محمّد صلىاللهعليهوسلم بل قلنا : المراد به عالمو زمان كل واحد منهم ، فكذا هنا.