أم مريم ، فكان يحيى بن زكريا ومريم عليهماالسلام ولدي خالة ، وفي كيفية هذا النذر روايات (١).
قال عكرمة : إنها كانت عاقرا لا تلد ، وتغبط النساء بالأولاد ، فقالت : اللهم إن لك علي نذرا إن رزقتني ولدا أن أتصدّق به على بيتك المقدّس ، فيكون من سدنته (٢).
الثانية : قال محمد ابن إسحاق : إن أم مريم ما كان يحصل لها ولد ، فلما شاخت جلست يوما في ظل شجرة فرأت ظائرا يطعم فراخا له فتحركت نفسها للولد ، فدعت ربّها أن يهب لها ولدا ، فحملت مريم وهلك عمران ـ فلما عرفت جعلته لله محررا ـ أي : خادما للمسجد ـ (٣).
قال الحسن البصري : إنما فعلت ذلك بإلهام من الله ـ تعالى ـ ولو لاه لما فعلت ، كما رأى إبراهيم ـ عليهالسلام ـ ذبح ابنه في المنام فعلم أن ذلك أمر الله تعالى ـ وإن لم يكن عن وحي ، وكما ألهم الله أمّ موسى بقذفه في اليم وليس بوحي ، فلما حررت ما في بطنها ـ ولم تعلم ما هو ، قال لها زوجها : ويحك : ما صنعت؟ أرأيت إن كان ما في بطنك أنثى لا يصح لذلك؟ فوقعوا جميعا في همّ من ذلك ، فهلك عمران وحنة حامل بمريم (فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى).
قوله : «محرّرا» في نصبه أوجه :
أحدها : أنها حال من الموصول ـ وهو (ما فِي بَطْنِي) ـ فالعامل فيها «نذرت».
الثاني : أنه حال من الضمير المرفوع بالجار ؛ لوقوعه صلة «ما» وهو قريب من الأول ، فالعامل الاستقرار الذي تضمنه الجار والمجرور.
الثالث : أن ينتصب على المصدر ؛ لأن المصدر يأتي على زنة اسم المفعول من الفعل الزّائد على ثلاثة أحرف ، وعلى هذا ، فيجوز أن يكون في الكلام حذف مضاف ، تقديره : نذرت لك ما في بطني نذر تحرير ، ويجوز أن يكون «ما» انتصب على المعنى ؛ لأن معنى (نَذَرْتُ لَكَ) : حرّرت لك ما في بطني تحريرا ، ومن مجيء المصدر بزنة المفعول مما زاد على الثلاثي قوله : (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) [سبأ : ١٩] وقوله : (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) [الحج : ١٨] ـ في قراءة من فتح الراء ـ أي : كلّ تمزيق ، فما له من إكرام.
ومثله قول : [الوافر]
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٣٢) عن عكرمة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٣) وزاد نسبته لابن المنذر.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٣٠).